للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِشُرُوطٍ عَشَرَةٍ: نِيَّةُ الْمُؤْتَمِّ الِاقْتِدَاءَ، وَاتِّحَادُ مَكَانِهِمَا وَصَلَاتِهِمَا،

ــ

[رد المحتار]

ابْنِ عَرَفَةَ لَهَا بِأَنَّهَا اتِّبَاعُ الْإِمَامِ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ: أَيْ أَنْ يُتْبَعَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ. وَأَمَّا الرَّبْطُ الْمَذْكُورُ، إنْ كَانَ مَصْدَرَ رَبَطَ الْمَبْنِيِّ لِلْمَعْلُومِ فَهُوَ صِفَةُ الْمُؤْتَمِّ فَيَكُونُ بِمَعْنَى الِائْتِمَامِ أَيْ الِاقْتِدَاءِ، وَإِنْ كَانَ مَصْدَرَ الْمَبْنِيِّ لِلْمَجْهُولِ فَهُوَ صِفَةُ صَلَاةِ الْمُؤْتَمِّ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَرْبُوطَةُ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يَصْلُحُ تَعْرِيفًا لِلْإِمَامَةِ بَلْ لِلِاقْتِدَاءِ. اهـ. ط عَنْ ح.

وَأَقُولُ: بَقِيَ لِلرَّبْطِ مَعْنًى ثَالِثٌ هُوَ الْمُرَادُ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ الْإِيرَادُ، وَهُوَ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَعْنَى الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ وَهُوَ الِارْتِبَاطُ.

وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَصِيرُ إمَامًا إلَّا إذَا رَبَطَ الْمُقْتَدِي صَلَاتَهُ بِصَلَاتِهِ، فَنَفْسُ هَذَا الِارْتِبَاطِ هُوَ حَقِيقَةُ الْإِمَامَةِ، وَهُوَ غَايَةُ الِاقْتِدَاءِ الَّذِي هُوَ الرَّبْطُ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ لِأَنَّهُ إذَا رَبَطَ صَلَاتَهُ بِصَلَاةِ إمَامِهِ حَصَلَ لَهُ صِفَةُ الِاقْتِدَاءِ وَالِائْتِمَامِ وَحَصَلَ لِإِمَامِهِ صِفَةُ الْإِمَامَةِ الَّتِي هِيَ الِارْتِبَاطُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي الْقَاصِرِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ بِشُرُوطٍ عَشَرَةٍ) هَذِهِ الشُّرُوطُ فِي الْحَقِيقَةِ شُرُوطُ الِاقْتِدَاءِ، وَأَمَّا شُرُوطُ الْإِمَامَةِ فَقَدْ عَدَّهَا فِي نُورِ الْإِيضَاحِ عَلَى حِدَةٍ فَقَالَ: وَشُرُوطُ الْإِمَامَةِ لِلرِّجَالِ الْأَصِحَّاءِ سِتَّةُ أَشْيَاءَ: الْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالذُّكُورَةُ وَالْقِرَاءَةُ وَالسَّلَامَةُ مِنْ الْأَعْذَارِ كَالرُّعَافِ وَالْفَأْفَأَةِ وَالتَّمْتَمَةِ وَاللَّثَغِ وَفَقْدِ شَرْطٍ كَطَهَارَةٍ وَسِتْرِ عَوْرَةٍ. اهـ. احْتَرَزَ بِالرِّجَالِ الْأَصِحَّاءِ عَنْ النِّسَاءِ الْأَصِحَّاءِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي إمَامِهِنَّ الذُّكُورَةُ؛ وَعَنْ الصِّبْيَانِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي إمَامِهِمْ الْبُلُوغُ، وَعَنْ غَيْرِ الْأَصِحَّاءِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي إمَامِهِمْ الصِّحَّةُ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ حَالُ الْإِمَامِ أَقْوَى مِنْ حَالَ الْمُؤْتَمِّ أَوْ مُسَاوِيًا ح.

أَقُولُ: قَدْ عَلِمْت مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْإِمَامَةَ غَايَةُ الِاقْتِدَاءِ، فَمَا لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ لَمْ تَثْبُتْ الْإِمَامَةُ، فَتَكُونُ الشُّرُوطُ الْعَشَرَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ شُرُوطًا لِلْإِمَامَةِ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ تَوَقُّفُ الْإِمَامَةِ عَلَيْهَا، كَمَا أَنَّ السُّنَّةَ الْمَذْكُورَةَ تَصْلُحُ شُرُوطًا لِلِاقْتِدَاءِ أَيْضًا، إذْ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِدُونِهَا، فَالسِّتَّةَ عَشَرَ كُلُّهَا شُرُوطٌ لِكُلٍّ مِنْ الْإِمَامَةِ وَالِاقْتِدَاءِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْعَشَرَةُ قَائِمَةً بِالْمُقْتَدِي وَالسِّتَّةُ قَائِمَةً بِالْإِمَامِ حَسُنَ جَعْلُ الْعَشَرَةِ شُرُوطًا لِلِاقْتِدَاءِ وَالسِّتَّةِ شُرُوطًا لِلْإِمَامَةِ فَافْهَمْ وَاغْتَنِمْ تَحْرِيرَ هَذَا الْمَقَامِ، وَقَدْ نَظَمْت هَذِهِ الشُّرُوطَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَقُلْت:

شُرُوطُ اقْتِدَاءٍ عَشَرَةٌ قَدْ نَظَمْتهَا ... بِشَعْرٍ كَعِقْدِ الدُّرِّ جَاءَ مُنَضَّدَا

تَأَخُّرُ مُؤْتَمٍّ وَعِلْمُ انْتِقَالِ مَنْ ... بِهِ ائْتَمَّ مَعَ كَوْنِ الْمَكَانَيْنِ وَاحِدَا

وَكَوْنُ إمَامٍ لَيْسَ دُونَ تَبْعُهُ ... بِشَرْطٍ وَأَرْكَانٍ وَنِيَّةِ الِاقْتِدَا

مُشَارَكَةٌ فِي كُلِّ رُكْنٍ وَعِلْمُهُ ... بِحَالِ إمَامٍ حَلَّ أَمْ سَارَ مُبْعَدًا

وَأَنْ لَا تُحَاذِيَهُ الَّتِي مَعَهُ اقْتَدَتْ ... وَصِحَّةُ مَا صَلَّى الْإِمَامُ مِنْ ابْتِدَا

كَذَاكَ اتِّحَادُ الْفَرْضِ هَذَا تَمَامُهَا ... وَسِتُّ شُرُوطٍ لِلْإِمَامَةِ فِي الْمَدَا

بُلُوغٌ وَإِسْلَامٌ وَعَقْلٌ ذُكُورَةٌ ... قِرَاءَةُ مُجْزٍ فَقَدْ حَذَّرَ بِهِ بَدَا

(قَوْلُهُ نِيَّةُ الْمُؤْتَمِّ) أَيْ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ، أَوْ الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي صَلَاتِهِ أَوْ الشُّرُوعِ فِيهَا أَوْ الدُّخُولِ فِيهَا بِخِلَافِ نِيَّةِ صَلَاةِ الْإِمَامِ. وَشَرْطُ النِّيَّةِ أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً لِلتَّحْرِيمَةِ أَوْ مُتَقَدِّمَةً عَلَيْهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ التَّحْرِيمَةِ فَاصِلٌ أَجْنَبِيٌّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي النِّيَّةِ ح (قَوْلُهُ وَاتِّحَادُ مَكَانِهِمَا) فَلَوْ اقْتَدَى رَاجِلٌ بِرَاكِبٍ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ رَاكِبٌ بِرَاكِبٍ دَابَّةً أُخْرَى لَمْ يَصِحَّ لِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ؛ فَلَوْ كَانَا عَلَى دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ صَحَّ لِاتِّحَادِهِ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ، وَسَيَأْتِي.

وَأَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهَا حَائِطٌ فَسَيَأْتِي أَنَّ الْمُعْتَمَدَ اعْتِبَارُ الِاشْتِبَاهِ لَا اتِّحَادُ الْمَكَانِ، فَيَخْرُجُ بِقَوْلِهِ وَعِلْمُهُ بِانْتِقَالَاتِهِ، وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَصَلَاتِهِمَا) أَيْ وَاتِّحَادُ صَلَاتِهِمَا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالِاتِّحَادُ أَنْ يُمْكِنَهُ الدُّخُولُ فِي صَلَاتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>