للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا بِمُعَانَدَةٍ بَلْ بِنَوْعِ شُبْهَةٍ وَكُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ قِبْلَتِنَا (لَا يَكْفُرُ بِهَا) حَتَّى الْخَوَارِجُ الَّذِينَ يَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَنَا وَأَمْوَالَنَا وَسَبَّ الرَّسُولِ، وَيُنْكِرُونَ صِفَاتِهِ تَعَالَى وَجَوَازَ رُؤْيَتِهِ لِكَوْنِهِ عَنْ تَأْوِيلٍ وَشُبْهَةٍ بِدَلِيلِ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ، إلَّا الْخَطَّابِيَّةِ وَمِنَّا مَنْ كَفَّرَهُمْ (وَإِنْ) أَنْكَرَ بَعْضَ مَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً (كَفَرَ بِهَا) كَقَوْلِهِ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى جِسْمٌ كَالْأَجْسَامِ وَإِنْكَارُهُ صُحْبَةَ الصِّدِّيقِ

ــ

[رد المحتار]

بِنَوْعِ شُبْهَةٍ وَاسْتِحْسَانٍ، وَجُعِلَ دَيْنًا قَوِيمًا وَصِرَاطًا مُسْتَقِيمًا اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَا بِمُعَانِدَةٍ) أَمَّا لَوْ كَانَ مُعَانِدًا لِلْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ الَّتِي لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهَا أَصْلًا كَإِنْكَارِ الْحَشْرِ أَوْ حُدُوثِ الْعَالَمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهُوَ كَافِرٌ قَطْعًا (قَوْلُهُ بَلْ بِنَوْعِ شُبْهَةٍ) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً كَقَوْلِ مُنْكِرِ الرُّؤْيَةِ بِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يُرَى لِجَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ (قَوْلُهُ وَكُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ قِبْلَتِنَا لَا يَكْفُرُ بِهَا) أَيْ بِالْبِدْعَةِ الْمَذْكُورَةِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى شُبْهَةٍ إذْ لَا خِلَافَ فِي كُفْرِ الْمُخَالِفِ فِي ضَرُورِيَّاتِ الْإِسْلَامِ مِنْ حُدُوثِ الْعَالَمِ وَحَشْرِ الْأَجْسَادِ وَنَفْيِ الْعِلْمِ بِالْجُزْئِيَّاتِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ الْمُوَاظِبِ طُولَ عُمْرِهِ عَلَى الطَّاعَاتِ كَمَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ (قَوْلُهُ حَتَّى الْخَوَارِجُ) أَرَادَ بِهِمْ مَنْ خَرَجَ عَنْ مُعْتَقَدِ أَهْلِ الْحَقِّ لَا خُصُوصَ الْفِرْقَةِ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى الْإِمَامِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَكَفَّرُوهُ، فَيَشْمَلُ الْمُعْتَزِلَةَ وَالشِّيعَةَ وَغَيْرَهُمْ (قَوْلُهُ وَسَبَّ الرَّسُولِ) هَكَذَا فِي غَالِبِ النُّسَخِ، وَرَأَيْته كَذَلِكَ فِي الْخَزَائِنِ بِخَطِّ الشَّارِحِ، وَفِيهِ أَنَّ سَابَّ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَافِرٌ قَطْعًا، فَالصَّوَابُ وَسَبَّ أَصْحَابِ الرَّسُولِ، وَقَيَّدَهُمْ الْمُحَشِّي بِغَيْرِ الشَّيْخَيْنِ لِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ أَنَّ سَابَّهُمَا أَوْ أَحَدِهِمَا كَافِرٌ.

أَقُولُ: مَا سَيَأْتِي مَحْمُولٌ عَلَى سَبِّهِمَا بِلَا شُبْهَةٍ، لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مِنْ أَنَّ سَابَّهُمَا أَوْ مُنْكِرُ خِلَافَتِهِمَا إذَا بَنَاهُ عَلَى شُبْهَةٍ لَهُ لَا يَكْفُرُ وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ كُفْرًا فِي حَدِّ ذَاتِهِ لِأَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ حُجِّيَّةَ الْإِجْمَاعِ بِإِتْهَامِهِمْ الصَّحَابَةَ، فَكَانَ شُبْهَةً فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ كَانَتْ بَاطِلَةً، بِخِلَافِ مَنْ ادَّعَى أَنَّ عَلِيًّا إلَهٌ وَأَنَّ جِبْرِيلَ غَلِطَ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَنْ شُبْهَةٍ وَاسْتِفْرَاغِ وُسْعٍ فِي الِاجْتِهَادِ، بَلْ مَحْضُ هَوًى، وَتَمَامُهُ فِيهِ فَرَاجِعْهُ: وَقَدْ أَوْضَحْت هَذَا الْمَقَامَ فِي كِتَابِي: [تَنْبِيهُ الْوُلَاةِ وَالْحُكَّامِ عَلَى أَحْكَامِ شَاتِمِ خَيْرِ الْأَنَامِ أَوْ أَحَدِ أَصْحَابِهِ الْكِرَامِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ] (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ عَنْ تَأْوِيلٍ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا يَكْفُرُ بِهَا. قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي أَوَاخِرِ التَّحْرِيرِ: وَجَهْلُ الْمُبْتَدِعِ كَالْمُعْتَزِلَةِ مَانِعِي ثُبُوتِ الصِّفَاتِ الزَّائِدَةِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَالشَّفَاعَةِ وَخُرُوجِ مُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ وَالرُّؤْيَةِ لَا يَصْلُحُ عُذْرًا، لِوُضُوحِ الْأَدِلَّةِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، لَكِنْ لَا يَكْفُرُ، إذْ تَمَسُّكُهُ بِالْقُرْآنِ أَوْ الْحَدِيثِ أَوْ الْعَقْلِ، وَلِلنَّهْيِ عَنْ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَالْإِجْمَاعِ عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ وَلَا شَهَادَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ، وَعَدَمُهُ فِي الْخَطَابِيَّةِ لَيْسَ لِكُفْرِهِمْ: أَيْ بَلْ لِتَدَيُّنِهِمْ شَهَادَةَ الزُّورِ لِمَنْ كَانَ عَلَى رَأْيِهِمْ أَوْ حَلَفَ أَنَّهُ مُحِقٌّ.

وَأَوْرَدَ أَنَّ اسْتِبَاحَةَ الْمَعْصِيَةِ كُفْرٌ. وَأُجِيبَ إذَا كَانَ عَنْ مُكَابَرَةٍ وَعَدَمِ دَلِيلٍ، بِخِلَافِ مَا عَنْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، وَالْمُبْتَدِعُ مُخْطِئٌ فِي تَمَسُّكِهِ لَا مُكَابِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِسَرَائِرِ عِبَادِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمِنَّا مَنْ كَفَّرَهُمْ) أَيْ مِنَّا مَعْشَرَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مَنْ كَفَّرَ الْخَوَارِجَ: أَيْ أَصْحَابَ الْبِدَعِ؛ أَوْ الْمُرَادُ مِنَّا مَعْشَرَ الْحَنَفِيَّةِ. وَأَفَادَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَنَا خِلَافُهُ، فَقَدْ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ فُرُوعًا تَدُلُّ عَلَى كُفْرِ بَعْضِهِمْ. ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ تَكْفِيرِ أَحَدٍ مِنْ الْمُخَالِفِينَ فِيمَا لَيْسَ مِنْ الْأُصُولِ الْمَعْلُومَةِ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً إلَخْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ جِسْمٌ كَالْأَجْسَامِ) وَكَذَا لَوْ لَمْ يَقُلْ كَالْأَجْسَامِ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَا كَالْأَجْسَامِ فَلَا يَكْفُرُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا إطْلَاقُ لَفْظِ الْجِسْمِ الْمُوهِمِ لِلنَّقْصِ فَرَفَعَهُ بِقَوْلِهِ لَا كَالْأَجْسَامِ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُجَرَّدَ الْإِطْلَاقِ وَذَلِكَ مَعْصِيَةٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَإِنْكَارُهُ صُحْبَةَ الصِّدِّيقِ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْذِيبِ قَوْله تَعَالَى - {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} [التوبة: ٤٠]- ح. وَفِي الْفَتْحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ: وَمَنْ أَنْكَرَ خِلَافَةَ الصِّدِّيقِ أَوْ عُمَرَ فَهُوَ كَافِرٌ اهـ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ إنْكَارُ اسْتِحْقَاقِهِمَا الْخِلَافَةَ، فَهُوَ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ لَا إنْكَارُ وُجُودِهَا لَهُمَا بَحْرٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>