كُرِهَ إجْمَالًا (وَيَصُفُّ) أَيْ يَصُفُّهُمْ الْإِمَامُ بِأَنْ يَأْمُرَهُمْ بِذَلِكَ. قَالَ الشُّمُنِّيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِأَنْ يَتَرَاصُّوا وَيَسُدُّوا الْخَلَلَ وَيُسَوُّوا مَنَاكِبَهُمْ وَيَقِفُ وَسَطًا،
ــ
[رد المحتار]
تَقَدُّمَ الْإِمَامِ أَمَامَ الصَّفِّ وَاجِبٌ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْفَتْحِ (قَوْلُهُ كُرِهَ إجْمَاعًا) أَيْ لِلْمُؤْتَمِّ، وَلَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ مِنْهَا شَيْءٌ، وَيَتَخَلَّصُ مِنْ الْكَرَاهَةِ بِالْقَهْقَرَى إلَى خَلْفٍ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَحَلُّ ضَيِّقًا عَلَى الظَّاهِرِ، وَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِمْ: لَوْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ وَاحِدٌ عَلَى الدُّكَّانِ وَالْبَاقِي دُونَهُ لَا يُكْرَهُ، وَقَدْ تَزُولُ الْمُخَالَفَةُ بِأَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ مَوْضُوعُهَا إذَا كَانَ الْمُؤْتَمُّ خَلْفَهُ ط.
أَقُولُ: لَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِالْوَاحِدِ، وَإِنَّمَا صَرَّحُوا بِكَرَاهَةِ انْفِرَادِ الْإِمَامِ عَلَى الدُّكَّانِ؛ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ لَا يُكْرَهُ، فَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ الْبَعْضِ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْقَوْمِ، فَلَا يُنَافِي مَا هُنَا. وَأَيْضًا قَدْ صَرَّحُوا بِكَرَاهَةِ قِيَامِ الْوَاحِدِ وَحْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فُرْجَةً تَأَمَّلْ. [تَتِمَّةٌ]
إذَا اقْتَدَى بِإِمَامٍ فَجَاءَ آخَرُ يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ مَوْضِعَ سُجُودِهِ كَذَا فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْجَلَّابِيِّ أَنَّ الْمُقْتَدِيَ يَتَأَخَّرُ عَنْ الْيَمِينِ إلَى خَلْفٍ إذَا جَاءَ آخَرُ. اهـ. وَفِي الْفَتْحِ: وَلَوْ اقْتَدَى وَاحِدٌ بِآخَرَ فَجَاءَ ثَالِثٌ يَجْذِبُ الْمُقْتَدِيَ بَعْدَ التَّكْبِيرِ وَلَوْ جَذَبَهُ قَبْلَ التَّكْبِيرِ لَا يَضُرُّهُ، وَقِيلَ يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الثَّالِثَ يَقْتَدِي مُتَأَخِّرًا وَمُقْتَضَى الْقَوْلِ بِتَقَدُّمِ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَقُومُ بِجَنْبِ الْمُقْتَدِي الْأَوَّلِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمُقْتَدِي التَّأَخُّرُ إذَا جَاءَ ثَالِثٌ فَإِنْ تَأَخَّرَ وَإِلَّا جَذَبَهُ الثَّالِثُ إنْ لَمْ يَخْشَ إفْسَادَ صَلَاتِهِ، فَإِنْ اقْتَدَى عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ يُشِيرُ إلَيْهِمَا بِالتَّأَخُّرِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَقَدُّمِهِ لِأَنَّهُ مَتْبُوعٌ وَلِأَنَّ الِاصْطِفَافَ خَلْفَ الْإِمَامِ مِنْ فِعْلِ الْمُقْتَدِينَ لَا الْإِمَامِ، فَالْأَوْلَى ثَبَاتُهُ فِي مَكَانِهِ وَتَأَخُّرُ الْمُقْتَدِي، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْفَتْحِ عَنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ «قَالَ جَابِرٌ سِرْت مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةٍ فَقَامَ يُصَلِّي فَجِئْت حَتَّى قُمْت عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَجَاءَ ابْنُ صَخْرٍ حَتَّى قَامَ عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا فَدَفَعْنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ» اهـ وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْمُمْكِنُ. وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَإِلَّا اقْتَدَى الثَّالِثُ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ وَلَا تَقَدَّمَ وَلَا تَأَخَّرَ (قَوْلُهُ الْخَلَلَ) هُوَ انْفِرَاجُ مَا بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ قَامُوسٌ، وَهُوَ عَلَى وَزْنِ جَبَلٍ ط (قَوْلُهُ وَيَقِفُ وَسَطًا) قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: وَفِي مَبْسُوطِ بَكْرٍ: السُّنَّةُ أَنْ يَقُومَ فِي الْمِحْرَابِ لِيَعْتَدِلَ الطَّرَفَانِ، وَلَوْ قَامَ فِي أَحَدِ جَانِبَيْ الصَّفِّ يُكْرَهُ، وَلَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ الصَّيْفِيُّ بِجَنْبِ الشِّتْوِيِّ وَامْتَلَأَ الْمَسْجِدُ يَقُومُ الْإِمَامُ فِي جَانِبِ الْحَائِطِ لِيَسْتَوِيَ الْقَوْمُ مِنْ جَانِبَيْهِ وَالْأَصَحُّ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَكْرَهُ أَنْ يَقُومَ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ أَوْ فِي زَاوِيَةٍ أَوْ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ أَوْ إلَى سَارِيَةٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ عَمَلِ الْأُمَّةِ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَوَسَّطُوا الْإِمَامَ وَسُدُّوا الْخَلَلَ» وَمَتَى اسْتَوَى جَانِبَاهُ يَقُومُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ إنْ أَمْكَنَهُ وَإِنْ وَجَدَ فِي الصَّفِّ فُرْجَةً سَدَّهَا وَإِلَّا انْتَظَرَ حَتَّى يَجِيءَ آخَرُ فَيَقِفَانِ خَلْفَهُ، وَإِنْ لَمْ يَجِئْ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ يَخْتَارُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيَجْذِبُهُ وَيَقِفَانِ خَلْفَهُ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ عَالِمًا يَقِفُ خَلْفَ الصَّفِّ بِحِذَاءِ الْإِمَامِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَوْ وَقَفَ مُنْفَرِدًا بِغَيْرِ عُذْرٍ تَصِحُّ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَحْمَدَ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي الْكَرَاهَةِ قِيَامُ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ الْمِحْرَابِ [تَنْبِيهٌ]
يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ إلَى سَارِيَةٍ كَرَاهَةُ قِيَامِ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ الْمِحْرَابِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ قَبْلَهُ السُّنَّةُ أَنْ يَقُومَ فِي الْمِحْرَابِ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: السُّنَّةُ أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ إزَاءَ وَسَطِ الصَّفِّ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَحَارِيبَ مَا نُصِبَتْ إلَّا وَسَطَ الْمَسَاجِدِ وَهِيَ قَدْ عُيِّنَتْ لِمَقَامِ الْإِمَامِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِي الْإِمَامِ الرَّاتِبِ لِجَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ لِئَلَّا يَلْزَمَ عَدَمُ قِيَامِهِ فِي الْوَسَطِ، فَلَوْ لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ تَأَمَّلْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute