للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي غَيْرِ جِنَازَةٍ ثُمَّ وَثُمَّ؛ وَلَوْ صَلَّى عَلَى رُفُوفِ الْمَسْجِدِ إنْ وَجَدَ فِي صَحْنِهِ مَكَانًا كُرِهَ كَقِيَامَةِ فِي صَفٍّ خَلْفَ صَفٍّ فِيهِ فُرْجَةٌ. قُلْت: وَبِالْكَرَاهَةِ أَيْضًا صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ. قَالَ السُّيُوطِيّ فِي [بَسْطِ الْكَفِّ فِي إتْمَامِ الصَّفِّ] : وَهَذَا الْفِعْلُ مُفَوِّتٌ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ الَّذِي هُوَ التَّضْعِيفُ لَا لِأَصْلِ بَرَكَةِ الْجَمَاعَةِ، فَتَضْعِيفُهَا غَيْرُ بَرَكَتِهَا، وَبَرَكَتُهَا هِيَ عَوْدُ بَرَكَةِ الْكَامِلِ مِنْهُمْ عَلَى النَّاقِصِ. اهـ.

وَلَوْ وَجَدَ فُرْجَةً فِي الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي لَهُ خَرْقُ الثَّانِي لِتَقْصِيرِهِمْ، وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ سَدَّ فُرْجَةً غُفِرَ لَهُ» وَصَحَّ «خِيَارُكُمْ أَلْيَنُكُمْ مَنَاكِبَ فِي الصَّلَاةِ» وَبِهَذَا يُعْلَمُ جَهْلُ مَنْ يَسْتَمْسِكُ عِنْدَ دُخُولِ دَاخِلٍ بِجَنْبِهِ فِي الصَّفِّ وَيَظُنُّ أَنَّهُ رِيَاءٌ كَمَا بُسِطَ فِي الْبَحْرِ،

ــ

[رد المحتار]

الصَّفِّ الْأَوَّلِ مِنْ خَارِجِهَا يَكُونُ مَكْرُوهًا. وَيُؤْخَذُ مِنْ تَعْرِيفِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ بِمَا هُوَ خَلْفَ الْإِمَامِ أَيْ لَا خَلْفَ مُقْتَدٍ آخَرَ أَنَّ مَنْ قَامَ فِي الصَّفِّ الثَّانِي بِحِذَاءِ بَابِ الْمِنْبَرِ يَكُونُ مِنْ الصَّفِّ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ خَلْفَ مُقْتَدٍ آخَرَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ جِنَازَةٍ) أَمَّا فِيهَا فَآخِرُهَا إظْهَارًا لِلتَّوَاضُعِ لِأَنَّهُمْ شُفَعَاءُ فَهُوَ أَحْرَى بِقَبُولِ شَفَاعَتِهِمْ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِيهَا تَعَدُّدُ الصُّفُوفِ، فَلَوْ فَضَلَ الْأَوَّلُ امْتَنَعُوا عَنْ التَّأَخُّرِ عِنْدَ قِلَّتِهِمْ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ وَثُمَّ) أَيْ ثُمَّ الصَّفُّ الثَّانِي أَفْضَلُ مِنْ الثَّالِثِ، وَفِي الْجِنَازَةِ مَا يَلِي الْأَخِيرَ أَفْضَلُ مِمَّا تَقَدَّمَهُ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ كُرِهَ) لِأَنَّ فِيهِ تَرْكًا لِإِكْمَالِ الصُّفُوفِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى فِيهِ الْمُبَلِّغُ فِي مِثْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِأَجْلِ أَنْ يَصِلَ صَوْتُهُ إلَى أَطْرَافِ الْمَسْجِدِ لَا يُكْرَهُ (قَوْلُهُ كَقِيَامِهِ فِي صَفٍّ إلَخْ) هَلْ الْكَرَاهَةُ فِيهِ تَنْزِيهِيَّةٌ أَوْ تَحْرِيمِيَّةٌ، وَيُرْشِدُ إلَى الثَّانِي قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَمَنْ قَطَعَهُ قَطَعَهُ اللَّهُ " ط.

بَقِيَ مَا إذَا رَأَى الْفُرْجَةَ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ هَلْ يَمْشِي إلَيْهَا؟ لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا. وَظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ نَعَمْ، وَيُفِيدُهُ مَسْأَلَةُ مَنْ جَذَبَ غَيْرَهُ مِنْ الصَّفِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُجِيبَهُ لِتَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ عَنْ الْجَاذِبِ، فَمَشْيُهُ لِنَفْيِ الْكَرَاهَةِ عَنْ نَفْسِهِ أَوْلَى فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ مِنْ الْحِلْيَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ إنْ كَانَ فِي صَفِّ الثَّانِي فَرَأَى فُرْجَةً فِي الْأَوَّلِ فَمَشَى إلَيْهَا لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْمُرَاصَّةِ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَرَاصُّوا فِي الصُّفُوفِ» وَلَوْ كَانَ فِي الصَّفِّ الثَّالِثِ تَفْسُدُ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ. وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ بِالْأَمْرِ أَنَّهُ يُطْلَبُ مِنْهُ الْمَشْيُ إلَيْهَا تَأَمَّلْ.

[فَائِدَةٌ] قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَشُرُوعُهُ لِتَحْصِيلِ الرَّكْعَةِ فِي الصَّفِّ الْأَخِيرِ أَفْضَلُ مِنْ وَصْلِ الصَّفِّ. اهـ. أَمَّا لَوْ لَمْ يُدْرِكْ الصَّفَّ الْأَخِيرَ فَلَا يَقِفُ وَحْدَهُ، بَلْ يَمْشِي إلَيْهِ إنْ كَانَ فِيهِ فُرْجَةٌ، وَإِنْ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ كَمَا فِي آخِرِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ تَرْكَ الْمَكْرُوهِ أَوْلَى مِنْ إدْرَاكِ الْفَضِيلَةِ تَأَمَّلْ، وَيَشْهَدُ لَهُ «أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ دَبَّ إلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: زَادَك اللَّهُ حِرْصًا، وَلَا تَعُدْ» (قَوْلُهُ وَهَذَا الْفِعْلُ مُفَوِّتٌ إلَخْ) هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ لِأَنَّ شَرْطَ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ عِنْدَهُمْ أَنْ تُؤَدَّى بِلَا كَرَاهَةٍ، وَعِنْدَنَا يَنَالُ التَّضْعِيفَ وَيَلْزَمُهُ مُقْتَضَى الْكَرَاهَةِ أَوْ الْحُرْمَةِ كَمَا لَوْ صَلَّاهَا فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ رَحْمَتِيٌّ وَنَحْوُهُ فِي ط (قَوْلُهُ لِتَقْصِيرِهِمْ) يُفِيدُ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا شَرَعُوا. وَفِي الْقُنْيَةِ قَامَ فِي آخِرِ صَفٍّ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الصُّفُوفِ مَوَاضِعُ خَالِيَةٌ فَلِلدَّاخِلِ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَصِلَ الصُّفُوفَ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حُرْمَةَ نَفْسِهِ فَلَا يَأْثَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، دَلَّ عَلَيْهِ مَا فِي الْفِرْدَوْسِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَظَرَ إلَى فُرْجَةٍ فِي صَفٍّ فَلْيَسُدَّهَا بِنَفْسِهِ؛ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَمَرَّ مَارٌّ فَلْيَتَخَطَّ عَلَى رَقَبَتِهِ فَإِنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ» أَيْ فَلْيَتَخَطَّ الْمَارُّ عَلَى رَقَبَةِ مَنْ لَمْ يَسُدَّ الْفُرْجَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ أَلْيَنُكُمْ مَنَاكِبَ فِي الصَّلَاةِ) الْمَعْنَى إذَا وَضَعَ مَنْ يُرِيدُ الدُّخُولَ فِي الصَّفِّ يَدَهُ عَلَى مَنْكِبِ الْمُصَلِّي لِأَنَّ لَهُ ط عَنْ الْمُنَاوِيِّ (قَوْلُهُ كَمَا بُسِطَ فِي الْبَحْرِ) أَيْ نَقْلًا عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ حَيْثُ قَالَ: وَيَظُنُّ أَنَّ فَسْحَهُ لَهُ رِيَاءٌ بِسَبَبِ أَنْ يَتَحَرَّكَ لِأَجْلِهِ، بَلْ ذَاكَ إعَانَةٌ عَلَى إدْرَاكِ الْفَضِيلَةِ وَإِقَامَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>