لَكِنْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ عَنْ الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا مَا يُخَالِفُهُ، ثُمَّ نَقَلَ تَصْحِيحَ عَدَمِ الْفَسَادِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ جَذَبَ مِنْ الصَّفِّ فَتَأَخَّرَ، فَهَلْ ثَمَّ فَرْقٌ؟ فَلْيُحَرَّرْ (الرِّجَالُ) ظَاهِرُهُ يَعُمُّ الْعَبْدَ (ثُمَّ الصِّبْيَانُ) ظَاهِرُهُ تَعَدُّدُهُمْ، فَلَوْ وَاحِدًا دَخَلَ الصَّفَّ (ثُمَّ الْخَنَاثِي ثُمَّ النِّسَاءُ) قَالُوا: الصُّفُوفُ الْمُمْكِنَةُ اثْنَا عَشَرَ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ
ــ
[رد المحتار]
لِسَدِّ الْفُرُجَاتِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي الصَّفِّ، وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا شَهِيرَةٌ كَثِيرَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ لَكِنْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا اسْتَنْبَطَهُ فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ مِنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ فِي الْمَسْأَلَةِ. وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ بَعْدَ أَنَّ ذَكَرَ: لَوْ جَذَبَهُ آخَرُ فَتَأَخَّرَ الْأَصَحُّ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ. وَفِي الْقُنْيَةِ: قِيلَ لِمُصَلٍّ مُنْفَرِدٍ تَقَدَّمَ بِأَمْرِهِ أَوْ دَخَلَ رَجُلٌ فُرْجَةَ الصَّفِّ فَتَقَدَّمَ الْمُصَلِّي حَتَّى وَسِعَ الْمَكَانُ عَلَيْهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَمْكُثَ سَاعَةً ثُمَّ يَتَقَدَّمَ بِرَأْيِ نَفْسِهِ، وَعَلَّلَهُ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ بِأَنَّهُ امْتِثَالٌ لِغَيْرِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى.
أَقُولُ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَصْحِيحِ صَلَاةِ مَنْ تَأَخَّرَ رُبَّمَا يُفِيدُ تَصْحِيحَ عَدَمِ الْفَسَادِ فِي مَسْأَلَةِ الْقُنْيَةِ لِأَنَّهُ مَعَ تَأَخُّرِهِ بِجَذْبِهِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ كَوْنِ ذَلِكَ بِأَمْرِهِ أَمْ لَا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا تَأَخَّرَ لَا بِأَمْرِهِ فَتَكُونُ مَسْأَلَةً أُخْرَى فَتَأَمَّلْ اهـ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ حَمْلَ الْأُولَى عَلَى مَا إذَا تَأَخَّرَ بِمُجَرَّدِ الْجَذْبِ بِدُونِ أَمْرٍ، وَالثَّانِيَةُ عَلَى مَا إذَا فَسَخَ لَهُ بِأَمْرِهِ، فَتَفْسُدُ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ اُمْتُثِلَ أَمْرَ الْمَخْلُوقِ وَهُوَ فِعْلٌ مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْأُولَى (قَوْلُهُ فَهَلْ ثَمَّ فَرْقٌ) قَدْ عَلِمْت مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ تَأَخَّرَ بِدُونِ أَمْرٍ فِيهِمَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ التَّصْحِيحُ وَارِدًا فِيهِمَا وَإِنْ تَأَخَّرَ بِالْأَمْرِ فِي إحْدَاهُمَا فَهُنَاكَ فَرْقٌ وَهُوَ إجَابَتُهُ أَمْرَ الْمَخْلُوقِ فَيَكُونُ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَتَيْنِ مُخْتَلِفًا.
هَذَا، وَقَدْ ذَكَرَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ مَا مَرَّ عَنْ الْقُنْيَةِ وَشَرْحِ الْقُدُورِيِّ، ثُمَّ رَدَّهُ بِأَنَّ امْتِثَالَهُ إنَّمَا هُوَ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَضُرُّ اهـ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ تَبْقَى الْمُخَالَفَةُ بَيْنَ الْفَرْعَيْنِ ظَاهِرَةً، وَكَأَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَجْزِمْ بِصِحَّةِ الْفَرْقِ الَّذِي أَبْدَاهُ الْمُصَنِّفُ فَلِذَا قَالَ فَلْيُحَرَّرْ، وَجَزَمَ فِي مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ وَفِي مُفْسِدَاتِهَا بِمَا فِي الْقُنْيَةِ تَبَعًا لِشَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَقَالَ ط: لَوْ قِيلَ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ كَوْنِهِ اُمْتُثِلَ أَمْرَ الشَّارِعِ فَلَا تَفْسُدُ وَبَيْنَ كَوْنِهِ امْتَثَلَ أَمْرَ الدَّاخِلِ مُرَاعَاةً لَخَاطَرَهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِأَمْرِ الشَّارِعِ فَتَفْسُدُ لَكَانَ حَسَنًا (قَوْلُهُ ظَاهِرُهُ يَعُمُّ الْعَبِيدَ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْبُلُوغَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْحُرِّيَّةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِيَلِيَنِّي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» أَيْ الْبَالِغُونَ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ حَيْثُ قَدَّمَ الصِّبْيَانَ الْأَحْرَارَ عَلَى الْعَبِيدِ الْبَالِغِينَ. اهـ. ح عَنْ الْبَحْرِ، نَعَمْ يُقَدَّمُ الْبَالِغُ الْحُرُّ عَلَى الْبَالِغِ الْعَبْدِ، وَالصَّبِيُّ الْحُرُّ عَلَى الصَّبِيِّ الْعَبْدِ، وَالْحُرَّةُ الْبَالِغَةُ عَلَى الْأَمَةِ الْبَالِغَةِ، وَالصَّبِيَّةُ الْحُرَّةُ عَلَى الصَّبِيَّةِ الْأَمَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَلَوْ وَاحِدًا دَخَلَ الصَّفَّ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا، قَالَ: وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُقْتَدِي رَجُلًا وَصَبِيًّا يَصُفُّهُمَا خَلْفَهُ لِحَدِيثِ أَنَسٍ «فَصَفَفْت أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا» وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فَإِنَّهَا تَتَأَخَّرُ مُطْلَقًا كَالْمُتَعَدِّدَاتِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ اثْنَا عَشَرَ) لِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ إمَّا ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى، وَعَلَى كُلٍّ فَإِمَّا بَالِغٌ أَوْ لَا، وَعَلَى كُلٍّ فَإِمَّا حُرٌّ أَوْ لَا. اهـ. ح.
فَيُقَدَّمُ الْأَحْرَارُ الْبَالِغُونَ ثُمَّ صِبْيَانُهُمْ، ثُمَّ الْعَبِيدُ الْبَالِغُونَ ثُمَّ صِبْيَانُهُمْ، ثُمَّ الْأَحْرَارُ الْخَنَاثِي الْكِبَارُ ثُمَّ صِغَارُهُمْ، ثُمَّ الْأَرِقَّاءُ الْخَنَاثِي الْكِبَارُ ثُمَّ صِغَارُهُمْ، ثُمَّ الْحَرَائِرُ الْكِبَارُ ثُمَّ صِغَارُهُنَّ، ثُمَّ الْإِمَاءُ الْكِبَارُ ثُمَّ صِغَارُهُنَّ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ (قَوْلُهُ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْحِلْيَةِ مِنْ جَعْلِ الْخَنَاثَى أَرْبَعَةَ صُفُوفٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ الصُّفُوفِ الْمُمْكِنَةِ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ كُلُّهَا، لِمَا فِي الْإِمْدَادِ مِنْ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ مُحَاذَاةُ الْخُنْثَى مِثْلُهُ وَلَا تَأَخُّرُهُ عَنْهُ لِاحْتِمَالِ أُنُوثَةِ الْمُتَقَدِّمِ وَأَحَدِ الْمُتَحَاذِيَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: فَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْخَنَاثَى صَفًّا وَاحِدًا بَيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ فُرْجَةٌ أَوْ حَائِلٌ لِيَمْنَعَ الْمُحَاذَاةَ، وَهَذَا مِمَّا مَنَّ اللَّهُ بِالتَّنْبِيهِ لَهُ اهـ فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ جَوَابٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute