عَنْ الْمُجْتَبَى، وَحَرَّرَ الْحَلَبِيُّ وَابْنُ الشِّحْنَةَ أَنَّهُ بَعْدَ بَذْلِ جَهْدِهِ دَائِمًا حَتْمًا كَالْأُمِّيِّ، فَلَا يَؤُمُّ إلَّا مِثْلَهُ، وَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ إذَا أَمْكَنَهُ الِاقْتِدَاءُ بِمَنْ يُحْسِنُهُ أَوْ تَرَكَ جُهْدَهُ أَوْ وَجَدَ قَدْرَ الْفَرْضِ مِمَّا لَا لَثَغَ فِيهِ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ فِي حُكْمِ الْأَلْثَغِ، وَكَذَا مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّلَفُّظِ بِحَرْفٍ مِنْ الْحُرُوفِ أَوْ لَا يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِ الْفَاءِ إلَّا بِتَكْرَارٍ.
(وَ) اعْلَمْ أَنَّهُ (إذَا فَسَدَ الِاقْتِدَاءُ)
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ فِي الْأَلْثَغِ
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِمَامَةُ الْأَلْثَغِ لِغَيْرِهِ تَجُوزُ، وَقِيلَ لَا، وَنَحْوُهُ فِي الْخَانِيَّةِ عَنْ الْفَضْلِيِّ. وَظَاهِرُهُ اعْتِمَادُهُمْ الصِّحَّةَ، وَكَذَا اعْتَمَدَهَا صَاحِبُ الْحِلْيَةِ، قَالَ لَمَّا أَطْلَقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَؤُمَّ غَيْرَهُ، وَلِمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ: وَتُكْرَهُ إمَامَةُ الْفَأْفَاءِ اهـ وَلَكِنْ الْأَحْوَطُ عَدَمُ الصِّحَّةِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَنَظَمَهُ فِي مَنْظُومَتِهِ تُحْفَةِ الْأَقْرَانِ، وَأَفْتَى بِهِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ وَقَالَ فِي فَتَاوَاهُ: الرَّاجِحُ الْمُفْتَى بِهِ عَدَمُ صِحَّةِ إمَامَةِ الْأَلْثَغِ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ لَيْسَ بِهِ لُثْغَةٌ. وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَبْيَاتٍ، مِنْهَا قَوْلُهُ:
إمَامَةُ الْأَلْثَغِ لِلْمُغَايِرِ ... تَجُوزُ عِنْدَ الْبَعْضِ مِنْ أَكَابِرِ
وَقَدْ أَبَاهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ... لِمَا لِغَيْرِهِ مِنْ الصَّوَابِ
وَقَالَ أَيْضًا:
إمَامَةُ الْأَلْثَغِ لِلْفَصِيحِ ... فَاسِدَةٌ فِي الرَّاجِحِ الصَّحِيحِ
(قَوْلُهُ دَائِمًا) أَيْ فِي آنَاءِ اللَّيْلِ وَأَطْرَافِ النَّهَارِ، فَمَا دَامَ فِي التَّصْحِيحِ وَالتَّعَلُّمِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ، وَإِنْ تَرَكَ جُهْدَهُ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَإِنَّهُ مُشْكِلٌ عِنْدِي لِأَنَّ مَا كَانَ خِلْقَةً فَالْعَبْدُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِهِ اهـ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ حَتْمًا) أَيْ بَذْلًا حَتْمًا فَهُوَ مَفْرُوضٌ عَلَيْهِ ط (قَوْلُهُ فَلَا يَؤُمُّ إلَّا مِثْلَهُ) يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ الْمِثْلِيَّةُ فِي مُطْلَقِ اللَّثَغِ فَيَصِحُّ اقْتِدَاءُ مَنْ يُبَدَّلُ الرَّاءَ الْمُهْمَلَةَ غَيْنًا مُعْجَمَةً بِمَنْ يُبَدِّلُهَا لَامًا، وَأَنْ يُرَادَ مِثْلِيَّةٌ فِي خُصُوصِ اللَّثَغِ، فَلَا يَقْتَدِي مَنْ يُبَدِّلُهَا غَيْنًا إلَّا بِمَنْ يُبَدِّلُهَا غَيْنًا، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَاخْتِلَافِ الْعُذْرِ، فَلْيُرَاجَعْ ح.
(قَوْلُهُ إذَا أَمْكَنَهُ الِاقْتِدَاءُ بِمَنْ يُحْسِنُهُ) أَيْ يُحْسِنُ مَا يَلْثَغُ هُوَ بِهِ أَوْ يُحْسِنُ الْقُرْآنَ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأُمِّيَّ إذَا أَمْكَنَهُ الِاقْتِدَاءُ يَلْزَمُهُ، وَفِيهِ كَلَامٌ سَتَعْرِفُهُ. وَعَلَى مَا إذَا تَرَكَ جَهْدَهُ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ مَا دَامَ فِي التَّصْحِيحِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ وَإِنْ تَرْكَ جَهْدَهُ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ، وَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ تَقْيِيدِهِ بِمَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قِرَاءَةِ قَدْرِ الْفَرْضِ مِمَّا لَا لَثَغَ فِيهِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَقَرَأَهُ لَا يَلْزَمُهُ الِاقْتِدَاءُ وَلَا بَذْلُ الْجَهْدِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ أَوْ تَرَكَ جَهْدَهُ) أَيْ وَصَلَّى غَيْرَ مُؤْتَمٍّ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قِرَاءَةِ الْمَفْرُوضِ مِمَّا لَا لَثَغَ فِيهِ؛ أَمَّا لَوْ اقْتَدَى أَوْ قَرَأَ مَا لَا لَثَغَ فِيهِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ وَإِنْ تَرَكَ جَهْدَهُ (قَوْلُهُ أَوْ وَجَدَ قَدْرَ الْفَرْضِ إلَخْ) أَيْ وَصَلَّى غَيْرَ مُؤْتَمٍّ وَلَمْ يَقْرَأْهُ وَإِلَّا صَحَّتْ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إنْ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ الْقُرْآنِ آيَاتٍ لَيْسَ فِيهَا تِلْكَ الْحُرُوفُ يَتَّخِذُ إلَّا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا يَدَعُ قِرَاءَتَهَا فِي الصَّلَاةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّلَفُّظِ بِحَرْفٍ مِنْ الْحُرُوفِ) عَطَفَهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّثَغَ خَاصٌّ بِالسِّينِ وَالرَّاءِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ عَنْ الْمُغْرِبِ، وَذَلِكَ كَالرَّهْمَنِ الرَّهِيمِ وَالشَّيْتَانِ الرَّجِيمِ وَالْآلَمِينَ وَإِيَّاكَ نَأْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَئِينُ السِّرَاتَ أَنْأَمْتَ، فَكُلُّ ذَلِكَ حُكْمُهُ مَا مَرَّ مِنْ بَذْلِ الْجَهْدِ دَائِمًا وَإِلَّا فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِهِ. مَطْلَبٌ إذَا كَانَتْ اللُّثْغَةُ يَسِيرَةً [تَتِمَّةٌ]
سُئِلَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ عَمَّا إذَا كَانَتْ اللُّثْغَةُ يَسِيرَةً. فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَهَا لِأَئِمَّتِنَا، وَصَرَّحَ بِهَا الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ يَسِيرَةً بِأَنْ يَأْتِيَ بِالْحَرْفِ غَيْرَ صَافٍ لَمْ تُؤَثِّرْ. قَالَ وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ اهـ وَبِمِثْلِهِ أَفْتَى تِلْمِيذُ الشَّارِحِ الْمَرْحُومِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute