للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا بِيَدِهِ بَلْ يُكْرَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.

نَعَمْ لَوْ صَافَحَ بِنِيَّةِ السَّلَامِ قَالُوا تَفْسُدُ، كَأَنَّهُ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ: وَفِي النَّهْرِ عَنْ صَدْرِ الدِّينِ الْغَزِّيِّ:

سَلَامُك مَكْرُوهٌ عَلَى مَنْ سَتَسْمَعُ ... وَمَنْ بَعْدَ مَا أُبْدِي يُسَنُّ وَيُشْرَعُ

مُصَلٍّ وَتَالٍ ذَاكِرٍ وَمُحَدِّثٍ ... خَطِيبٍ وَمَنْ يُصْغِي إلَيْهِمْ وَيَسْمَعُ

مُكَرِّرِ فِقْهٍ جَالِسٍ لِقَضَائِهِ ... وَمَنْ بَحَثُوا فِي الْفِقْهِ دَعْهُمْ لِيَنْفَعُوا

مُؤَذِّنٍ أَيْضًا أَوْ مُقِيمٍ مُدَرِّسٍ ... كَذَا الْأَجْنَبِيَّاتُ الْفَتِيَّاتُ امْنَعْ

وَلُعَّابُ شِطْرَنْجٍ وَشِبْهٌ بِخُلُقِهِمْ ... وَمَنْ هُوَ مَعَ أَهْلٍ لَهُ يَتَمَتَّعُ

وَدَعْ كَافِرًا أَيْضًا وَمَكْشُوفَ عَوْرَةٍ ... وَمَنْ هُوَ فِي حَالِ التَّغَوُّطِ أَشْنَعُ

وَدَعْ آكِلًا إلَّا إذَا كُنْت جَائِعًا ... وَتَعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ يَمْنَعُ

ــ

[رد المحتار]

مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْعَمْدِ، بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي عَلَى الثَّانِي، وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ إنْ عَمْدًا مَا لَوْ ظَنَّ أَنَّهَا تَرْوِيحَةٌ مَثَلًا فَسَلَّمَ لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ السَّلَامَ كَمَا مَرَّ خِلَافًا لِمَنْ وَهِمَ

(قَوْلُهُ لَا بِيَدِهِ) أَيْ لَا يُفْسِدُهَا رَدُّ السَّلَامِ بِيَدِهِ، خِلَافًا لِمَنْ عَزَا إلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُفْسِدٌ فَإِنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ نَقْلُهُ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَإِنَّمَا يَذْكُرُونَ عَدَمَ الْفَسَادِ بِلَا حِكَايَةِ خِلَافٍ، بَلْ صَرِيحُ كَلَامِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ قَوْلُ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ، وَكَأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ فَهِمَ مِنْ قَوْلِهِمْ وَلَا يَرُدُّ بِالْإِشَارَةِ أَنَّهُ مُفْسِدٌ كَذَا فِي الْحِلْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ الْحَاجِّ الْحَلَبِيِّ، وَاسْتَدْرَكَ فِي الْبَحْرِ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ إلَخْ بِأَنَّهُ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَمَعَ هَذَا فَالْحَقُّ أَنَّ الْفَسَادَ لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي الْمَذْهَبِ؛ وَإِنَّمَا اسْتَنْبَطَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مِمَّا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ صَافَحَ بِنِيَّةِ التَّسْلِيمِ فَسَدَتْ فَقَالَ: فَعَلَى هَذَا تَفْسُدُ أَيْضًا إذَا رَدَّ بِالْإِشَارَةِ، وَيَدُلُّ لِعَدَمِ الْفَسَادِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَهُ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ فِي التِّرْمِذِيِّ.

وَصَرَّحَ فِي الْمُنْيَةِ بِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ: أَيْ تَنْزِيهًا، وَفَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِتَعْلِيمِ الْجَوَازِ فَلَا يُوصَفُ فِعْلُهُ بِالْكَرَاهَةِ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْحِلْيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ قَالُوا تَفْسُدُ) فِيهِ إيمَاءٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا مِنْ أَنَّ الظَّاهِرَ اسْتِوَاءُ حُكْمِ الرَّدِّ بِالْمُصَافَحَةِ وَبِالْيَدِ وَهُوَ عَدَمُ الْفَسَادِ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ كَأَنَّهُ إلَخْ فِيهِ إيمَاءٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ أَوْلَى مِنْ تَعْلِيلِ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ كَلَامٌ مَعْنًى لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْيَدِ كَلَامٌ مَعْنًى أَيْضًا فَتَدَبَّرْ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، كَذَا رَأَيْته بِخَطِّ الشَّارِحِ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ. مَطْلَبُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُكْرَهُ فِيهَا السَّلَامُ

(قَوْلُهُ سَلَامُك مَكْرُوهٌ) ظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ ط وَسَيَجِيءُ التَّصْرِيحُ بِالْإِثْمِ فِي بَعْضِهَا (قَوْلُهُ وَمِنْ بَعْدَ مَا أُبْدِي إلَخْ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ رُبَاعِيٌّ: أَيْ أُظْهِرُ؛ وَالْمَعْنَى وَغَيْرُ الَّذِي أَذْكُرُهُ هُنَا يُسَنُّ، وَلَا يُنَاقِضُهُ قَوْلُهُ وَالزِّيَادَةُ تَنْفَعُ لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ النَّهْرِ كَمَا سَتَعْرِفُهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ ذَاكِرٍ) فَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِالْوَاعِظِ لِأَنَّهُ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُذَكِّرُ النَّاسَ بِهِ؛ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَعَمُّ، فَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى مُشْتَغِلٍ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ رَحْمَتِي (قَوْلُهُ خَطِيبٍ) يَعُمُّ جَمِيعَ الْخُطَبِ ط (قَوْلُهُ وَمَنْ يُصْغِي إلَيْهِمْ) أَيْ إلَى مَنْ ذُكِرَ وَلَوْ إلَى الْمُصَلِّي إذَا جَهَرَ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي التَّالِي ط (قَوْلُهُ مُكَرِّرِ فِقْهٍ) أَيْ لِيَحْفَظَهُ أَوْ يَفْهَمَهُ (قَوْلُهُ جَالِسٍ لِقَضَائِهِ) قَاسَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا الْوُلَاةَ وَالْأُمَرَاءَ عَلَى الْقَاضِي. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: الصَّحِيحُ الْفَرْقُ، فَالرَّعِيَّةُ يُسَلِّمُونَ عَلَى الْأُمَرَاءِ وَالْوُلَاةِ، وَالْخُصُومُ لَا يُسَلِّمُونَ عَلَى الْقُضَاةِ؛ وَالْفَرْقُ أَنَّ السَّلَامَ تَحِيَّةُ الزَّائِرِينَ وَالْخُصُومُ مَا تَقَدَّمُوا إلَى الْقَاضِي زَائِرِينَ بِخِلَافِ الرَّعِيَّةِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ جَلَسَ الْقَاضِي لِلزِّيَارَةِ فَالْخُصُومُ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ، وَلَوْ جَلَسَ الْأَمِيرُ لِفَصْلِ الْخُصُومَةِ لَا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الثَّامِنِ مِنْ كَرَاهِيَةٍ التَّتَارْخَانِيَّة، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْخُصُومَ إذَا دَخَلُوا عَلَى الْمُفْتِي لَا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَمَنْ بَحَثُوا فِي الْفِقْهِ) عِبَارَةُ النَّهْرِ فِي الْعِلْمِ، وَفِي الضِّيَاءِ مُذَاكَرَةِ الْعِلْمِ، فَيَعُمُّ كُلَّ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ (قَوْلُهُ أَيْضًا) بِوَصْلِ الْهَمْزَةِ لِلضَّرُورَةِ ط (قَوْلُهُ مُدَرِّسٍ) أَيْ شَيْخِ دَرْسِ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ بِقَرِينَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا (قَوْلُهُ الْفَتِيَّاتُ) جَمْعُ فَتِيَّةٌ: الْمَرْأَةُ الشَّابَّةُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>