بِهِ يُفْتَى وَصَحَّ الْجِدُّ بِالْكَسْرِ بِمَعْنَى الْحَقِّ، مُلْحَقَةٌ بِمَعْنَى لَاحِقٍ، وَنَحْفِدُ بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ بِمَعْنَى نُسْرِعُ، فَإِنْ قَرَأَ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ فَسَدَتْ خَانِيَّةٌ كَأَنَّهُ كَلِمَةٌ مُهْمَلَةٌ (مُخَافِتًا عَلَى الْأَصَحِّ مُطْلَقًا) وَلَوْ إمَامًا، لِحَدِيثِ «خَيْرُ الدُّعَاءِ الْخَفِيُّ» .
(وَصَحَّ الِاقْتِدَاءُ فِيهِ) فَفِي غَيْرِهِ أَوْلَى إنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ مَا يُفْسِدُهَا فِي الْأَصَحِّ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْبَحْرِ
ــ
[رد المحتار]
بِك مِنْك، لَا أَحْصَى ثَنَاءً عَلَيْك، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك» وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَدْعِيَةِ الَّتِي لَا تُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ. وَمَنْ لَا يُحْسِنُ الْقُنُوتَ يَقُولُ {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [البقرة: ٢٠١] الْآيَةَ. وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يُكَرِّرُهَا ثَلَاثًا، وَقِيلَ يَقُولُ: يَا رَبِّ ثَلَاثًا، ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. اهـ.
أَقُولُ: هَذَا يُفِيدُ أَنَّ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ قَوْلِهِ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ مِقْدَارَ الْقِيَامِ فِي الْقُنُوتِ مِقْدَارُ سُورَةِ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: ١] وَكَذَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ اهـ بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ، أَوْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقُنُوتَ الْوَاجِبَ هُوَ طُولُ الْقِيَامِ لَا الدُّعَاءُ تَأَمَّلْ.
هَذَا، وَذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك» إلَخْ. جَاءَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ النَّسَائِيّ «أَنَّهُ كَانَ يَقُولُهُ إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَتَبَوَّأَ مَضْجَعَهُ» .
(قَوْلُهُ وَصَحَّ الْجِدُّ) قَالَ فِي الْحِلْيَةِ وَالْجِدُّ فِي «إنَّ عَذَابَك الْجِدُّ» ثَابِتٌ فِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّهُ ثَابِتٌ فِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد، وَبِهِ انْدَفَعَ قَوْلُ الشُّمُنِّيِّ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ إنَّهُ لَا يَقُولُهُ.
(قَوْلُهُ وَمُلْحِقٌ بِمَعْنَى لَاحِقٍ) مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرٌ وَهُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَنَصَّ غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّهُ الْأَصَحُّ، وَيُقَالُ بِفَتْحِهَا ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ. وَنَصَّ الْجَوْهَرِيُّ عَلَى أَنَّهُ صَوَابٌ، كَذَا فِي الْحِلْيَةِ. قُلْت: بَلْ فِي الْقَامُوسِ الْفَتْحُ أَحْسَنُ، أَوْ الصَّوَابُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ بِمَعْنَى لَاحِقٍ) أَيْ إنَّهُ مِنْ أَلْحَقَ الْمَزِيدِ بِمَعْنَى لَحِقَ الْمُجَرَّدِ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة أَنَّ الْمُطَرِّزِيَّ صَحَّحَ أَنَّ الْمُرَادَ مُلْحِقُ الْفُسَّاقِ بِالْكُفَّارِ الْأَوَّلُ أَوْلَى احْتِرَازًا عَنْ الْإِضْمَارِ، وَتَمَامُهُ فِيهَا.
قُلْت: وَلَعَلَّ مَا صَحَّحَهُ الْمُطَرِّزِيُّ، وَهُوَ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ تِلْمِيذُ الزَّمَخْشَرِيّ وَشَيْخُ صَاحِبِ الْقُنْيَةِ بَنَاهُ عَلَى مَذْهَبِهِمْ الْفَاسِدِ مَذْهَبِ الِاعْتِزَالِ، مِنْ أَنَّ عُصَاةَ الْمُؤْمِنِينَ مُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ كَالْكُفَّارِ (قَوْلُهُ كَأَنَّهُ لِأَنَّهُ كَلِمَةٌ مُهْمَلَةٌ) كَذَا فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ وَرَدَ فِي «صِفَةِ الْبُرَاقِ لَهُ جَنَاحَانِ يَحْفِذُ بِهِمَا» أَيْ يَسْتَعِينُ عَلَى السَّيْرِ ط (قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ، وَمُقَابِلُهُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ وَاسْتَحْسَنُوا الْجَهْرَ فِي بِلَادِ الْعَجَمِ لِلْإِمَامِ لِيَتَعَلَّمُوا، وَفَصَلَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَهُ الْقَوْمُ فَالْأَفْضَلُ لِلْإِمَامِ الْإِخْفَاءُ وَإِلَّا فَالْجَهْرُ. اهـ.
قُلْت: هَذَا التَّفْصِيلُ لَا يَخْرُجُ عَمَّا قَبْلَهُ. وَفِي الْمُنْيَةِ مَنْ اخْتَارَ الْجَهْرَ اخْتَارَهُ دُونَ الْقِرَاءَةِ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ إمَامًا) قَالَ فِي الْخَزَائِنِ إمَامًا كَانَ أَوْ مُؤْتَمًّا أَوْ مُنْفَرِدًا، أَدَاءً أَوْ قَضَاءً، فِي رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ لِحَدِيثِ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الْمُخَافَتَةَ لَيْسَتْ وَاجِبَةً ط
(قَوْلُهُ فَفِي غَيْرِهِ أَوْلَى) وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ النِّيَّةَ مُتَّحِدَةٌ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، بِخِلَافِ الْوِتْرِ، فَهِيَ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ ط أَيْ لِأَنَّ إمَامَهُ يَنْوِيهِ سُنَّةً.
(قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ إلَخْ) فَلَوْ رَآهُ احْتَجَمَ ثُمَّ غَابَ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَوَضَّأَ احْتِيَاطًا وَحُسْنُ الظَّنِّ بِهِ أَوْلَى بَحْرٌ عَنْ الزَّاهِدِيِّ.
(قَوْلُهُ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْبَحْرِ) حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ الْحَاصِلَ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ الِاحْتِيَاطَ مِنْهُ فِي مَذْهَبِنَا فَلَا كَرَاهَةَ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ وَإِنْ عَلِمَ عَدَمَهُ فَلَا صِحَّةَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ شَيْئًا كُرِهَ.
مَطْلَبٌ الِاقْتِدَاءُ بِالشَّافِعِيِّ
ثُمَّ قَالَ: ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِاعْتِقَادِ الْمُقْتَدِي وَلَا اعْتِبَارَ لِاعْتِقَادِ الْإِمَامِ؛ حَتَّى لَوْ اقْتَدَى بِشَافِعِيٍّ رَآهُ مَسَّ امْرَأَةً وَلَمْ يَتَوَضَّأْ فَالْأَكْثَرُ عَلَى الْجَوَازِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ وَجَمَاعَةٌ: لَا يَجُوزُ وَرَجَّحَهُ