للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأَوَّلُ أَدْوَمُ وَأَشَقُّ وَهَلْ تُحْسَبُ الْمُؤَكَّدَةُ مِنْ الْمُسْتَحَبِّ وَيُؤَدَّى الْكُلُّ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ؟ اخْتَارَ الْكَمَالُ: نَعَمْ. وَحَرَّرَ إبَاحَةَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ؛ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالْمُصَنِّفُ.

(وَ) السُّنَنُ (آكَدُهَا سُنَّةُ الْفَجْرِ) اتِّفَاقًا، ثُمَّ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ فِي الْأَصَحِّ، لِحَدِيثِ «مَنْ تَرَكَهَا لَمْ تَنَلْهُ شَفَاعَتِي» ثُمَّ الْكُلُّ سَوَاءٌ (وَقِيلَ بِوُجُوبِهَا، فَلَا تَجُوزُ صَلَاتُهَا قَاعِدًا) وَلَا رَاكِبًا اتِّفَاقًا (بِلَا عُذْرٍ) عَلَى الْأَصَحِّ،

ــ

[رد المحتار]

أَنَّهَا لَمَّا زَادَتْ عَنْ الْأَرْبَعِ وَكَانَ جَمْعُهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ خِلَافَ الْأَفْضَلِ، لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْأَفْضَلَ رُبَاعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى رَأْسِ الْأَرْبَعِ لَزِمَ أَنْ يُسَلِّمَ فِي الشَّفْعِ الثَّالِثِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ، فَيَكُونُ فِيهِ مُخَالَفَةٌ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ، فَكَانَ الْمُسْتَحَبُّ فِيهِ ثَلَاثَ تَسْلِيمَاتٍ لِيَكُونَ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ. قَالَ: هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِي.

(قَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَدْوَمُ وَأَشَقُّ) لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ حَبْسِ النَّفْسِ بِالْقَبَاءِ عَلَى تَحْرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَعَطْفُ أَشَقَّ عَطْفُ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومٍ. وَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَى اخْتِيَارِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ (قَوْلُهُ وَهَلْ تُحْسَبُ الْمُؤَكَّدَةُ) أَيْ فِي الْأَرْبَعِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ وَالسِّتِّ بَعْدَ الْمَغْرِبِ بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ اخْتَارَ الْكَمَالُ) نَعَمْ ذَكَرَ الْكَمَالُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ وَقَعَ اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ عَصْرِهِ فِي أَنَّ الْأَرْبَعَ الْمُسْتَحَبَّةَ هَلْ هِيَ أَرْبَعٌ مُسْتَقِلَّةٌ غَيْرُ رَكْعَتَيْ الرَّاتِبَةِ أَوْ أَرْبَعٌ بِهِمَا؟ وَعَلَى الثَّانِي هَلْ تُؤَدَّى مَعَهُمَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ لَا، فَقَالَ جَمَاعَةٌ لَا وَاخْتَارَ هُوَ أَنَّهُ إذَا صَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ أَوْ تَسْلِيمَتَيْنِ وَقَعَ عَنْ السُّنَّةِ وَالْمَنْدُوبِ، وَحَقَّقَ ذَلِكَ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ، وَأَقَرَّهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ.

(قَوْلُهُ وَحَرَّرَ إبَاحَةَ رَكْعَتَيْنِ إلَخْ) فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى نَدْبِ فِعْلِهِمَا، وَأَنَّهُ أَنْكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ وَأَصْحَابُنَا وَمَالِكٌ. وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِمَا حَقُّهُ أَنْ يُكْتَبَ بِسَوَادِ الْأَحْدَاقِ؛ ثُمَّ قَالَ: وَالثَّابِتُ بَعْدَ هَذَا هُوَ نَفْيُ الْمَنْدُوبِيَّةِ، أَمَّا ثُبُوتُ الْكَرَاهَةِ فَلَا إلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ آخَرُ، وَمَا ذَكَرَ مِنْ اسْتِلْزَامِ تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ فَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ الْقُنْيَةِ اسْتِثْنَاءَ الْقَلِيلِ، وَالرَّكْعَتَانِ لَا يَزِيدُ عَلَى الْقَلِيلِ إذَا تُجُوِّزَ فِيهِمَا اهـ وَقَدَّمْنَا فِي مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ بَعْضَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ آكَدُهَا سُنَّةُ الْفَجْرِ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ» وَفِي مُسْلِمٍ «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» وَفِي أَبِي دَاوُد «لَا تَدَعُوا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ» بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) اسْتَحْسَنَهُ فِي الْفَتْحِ فَقَالَ: ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي الْأَفْضَلِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ. قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: «رَكْعَتَا الْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَدَعْهُمَا سَفَرًا وَلَا حَضَرًا» ثُمَّ الَّتِي بَعْدَ الظُّهْرِ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّهَا قِيلَ هِيَ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، ثُمَّ الَّتِي بَعْدَ الْعِشَاءِ، ثُمَّ الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ، ثُمَّ الَّتِي قَبْلَ الْعَصْرِ، ثُمَّ الَّتِي قَبْلَ الْعِشَاءِ. وَقِيلَ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَقَبْلَ الظُّهْرِ وَبَعْدَهُ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ كُلُّهَا سَوَاءٌ. وَقِيلَ الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ آكَدُ وَصَحَّحَهُ الْحَسَنُ، وَقَدْ أَحْسَنَ، لِأَنَّ نَقْلَ الْمُوَاظَبَةِ الصَّرِيحَةِ عَلَيْهَا أَقْوَى مِنْ نَقْلِ مُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى غَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ. اهـ.

(قَوْلُهُ لِحَدِيثِ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهَكَذَا صَحَّحَهُ فِي الْعِنَايَةِ وَالنِّهَايَةِ لِأَنَّ فِيهَا وَعِيدًا مَعْرُوفًا: قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَرَكَ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ لَمْ تَنَلْهُ شَفَاعَتِي» اهـ قَالَ ط: وَلَعَلَّهُ لِلتَّنْفِيرِ عَنْ التَّرْكِ، أَوْ شَفَاعَتُهُ الْخَاصَّةُ بِزِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ. وَأَمَّا الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى فَعَامَّةٌ لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ بِوُجُوبِهَا) وَهُوَ ظَاهِرُ النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا خَزَائِنُ.

قُلْت: وَإِلَيْهِ يَمِيلُ كَلَامُ الْبَحْرِ، حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ ذَكَرُوا مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا، ثُمَّ سَاقَ الْمَسَائِلَ الَّتِي فَرَّعَهَا الْمُصَنِّفُ، وَوَفَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ مِنْ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ بِأَنَّ الْمُؤَكَّدَةَ بِمَعْنَى الْوَاجِبِ. وَأَجَابَ عَمَّا يُنَافِيهِ وَكَتَبْنَاهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَيْهِ مَا فِيهِ.

(قَوْلُهُ اتِّفَاقًا) أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ فَمُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ وَلِآكَدِيَّتِهَا ط. هَذَا: وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ الِاتِّفَاقَ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَأَقَرَّهُ، لَكِنْ نَازَعَ فِيهِ فِي الْإِمْدَادِ

<<  <  ج: ص:  >  >>