للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْكُلِّ وَصَحَّحَهُ فِي الْقُنْيَةِ.

(وَكَثْرَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَحَبُّ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ) كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ نَظَرَ فِيهِ فِي النَّهْرِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ. وَنَقَلَ عَنْ الْمِعْرَاجِ أَنَّ هَذَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ، وَأَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ أَفْضَلِيَّةُ الْقِيَامِ وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ.

قُلْت: وَهَكَذَا رَأَيْته بِنُسْخَتَيْ الْمُجْتَبَى مَعْزِيًّا لِمُحَمَّدٍ فَقَطْ فَتَنَبَّهْ

ــ

[رد المحتار]

هِيَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، نَعَمْ اعْتَبَرُوا كَوْنَ كُلِّ شَفْعٍ صَلَاةً عَلَى حِدَةٍ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ احْتِيَاطًا، وَكَذَا فِي عَدَمِ لُزُومِ الشَّفْعِ الثَّانِي قَبْلَ الْقِيَامِ إلَيْهِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ اللُّزُومِ وَعَدَمِهِ فَلَا يَلْزَمُ بِالشَّكِّ وَلِذَا يَقْطَعُ عَلَى رَأْسِ الشَّفْعِ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ أَوْ خَرَجَ الْخَطِيبُ وَكَذَا فِي بُطْلَانِ الشُّفْعَةِ وَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ بِالشُّرُوعِ فِي الشَّفْعِ الْآخَرِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الشُّفْعَةِ وَالْخِيَارِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَعَدَمِهِ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ وَكَذَا فِي عَدَمِ سَرَيَانِ الْفَسَادِ مِنْ شَفْعٍ إلَى شَفْعٍ إذْ لَا يُحْكَمُ بِالْفَسَادِ مَعَ الشَّكِّ اهـ مُلَخَّصًا، لَكِنَّ قَوْلَهُ وَكَذَا فِي بُطْلَانِ الشُّفْعَةِ وَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ، لِمَا عَلِمْت مِمَّا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْبَحْرِ وَالْحِلْيَةِ مِنْ أَنَّهُمَا لَا يَبْطُلَانِ بِالِانْتِقَالِ إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي، وَقَدْ صَرَّحَ نَفْسُهُ بِذَلِكَ فِي مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَعَلِمْت أَيْضًا أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا ذَكَرُوهُ فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ وَلَمْ يُثْبِتُوهُ لِلْأَرْبَعِ الَّتِي بَعْدَ الْجُمُعَةِ.

(قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ) حَيْثُ جَزَمَ بِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ كَحَدِيثِ مُسْلِمٍ «عَلَيْك بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» وَحَدِيثِ «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» وَحَدِيثِ مُسْلِمٍ أَيْضًا «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ» أَيْ طُولُ الْقِيَامِ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد؛ ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ أَنَّ كَثْرَةَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْقِيَامَ إنَّمَا شُرِعَ وَسِيلَةً إلَيْهِمَا، وَلِذَا سَقَطَ عَمَّنْ عَجَزَ عَنْهُمَا، وَلَا تَكُونُ الْوَسِيلَةُ أَفْضَلَ مِنْ الْمَقْصُودِ وَلِأَنَّهُ وَإِنْ لَزِمَ فِيهِ كَثْرَةُ الْقِرَاءَةِ لَكِنَّهَا رُكْنٌ زَائِدٌ، بَلْ اُخْتُلِفَ فِي أَصْلِ رُكْنِيَّتِهَا. وَأَجْمَعُوا عَلَى رُكْنِيَّةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَأَصَالَتِهِمَا، وَلِتَخَلُّفِ الْقِيَامِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِيمَا بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَرْضِ اهـ مُلَخَّصًا.

(قَوْلُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ) الْأَوَّلُ أَنَّ الْقِيَامَ وَإِنْ كَانَ وَسِيلَةً إلَّا أَنَّ أَفْضَلِيَّةَ طُولِهِ لِكَثْرَةِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ وَهِيَ وَإِنْ بَلَغَتْ كُلَّ الْقُرْآنِ تَقَعُ فَرْضًا بِخِلَافِ التَّسْبِيحَاتِ. الثَّانِي أَنَّ كَوْنَ الْقِرَاءَةِ رُكْنًا زَائِدًا مِمَّا لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْفَضِيلَةِ. الثَّالِثُ أَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ النَّفَلُ، وَفِيهِ تَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي كُلِّهِ اهـ مُلَخَّصًا.

قُلْت: وَأَمَّا تَعَارُضُ الْأَدِلَّةِ، فَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالسُّجُودِ الصَّلَاةُ؛ وَأَقْوَى دَلِيلٍ أَيْضًا عَلَى أَفْضَلِيَّةِ طُولِ الْقِيَامِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ إلَّا قَلِيلًا، وَكَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً» كَمَا مَرَّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ (قَوْلُهُ وَنَقَلَ عَنْ الْمِعْرَاجِ إلَخْ) اعْتَرَضَ عَلَى الْبَحْرِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: اخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَنَقَلَ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ فِي شَرْحِ الْآثَارِ أَنَّ طُولَ الْقِيَامِ أَحَبُّ. وَنَقَلَ فِي الْمُجْتَبَى عَنْهُ الْعَكْسَ. وَنَقَلَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ فَصَّلَ فَقَالَ: إذَا كَانَ لَهُ وِرْدٌ مِنْ اللَّيْلِ بِقِرَاءَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُكْثِرَ عَدَدَ الرَّكَعَاتِ وَإِلَّا فَطُولُ الْقِيَامِ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْقِيَامَ فِي الْأَوَّلِ لَا يَخْتَلِفُ وَيَضُمُّ إلَيْهِ زِيَادَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ اهـ.

وَوَجْهُ الِاعْتِرَاضِ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا قَوْلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِإِمَامِ الْمَذْهَبِ، بَلْ الْقَوْلَانِ فِيهَا لِمُحَمَّدٍ. أَقُولُ: وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ رِوَايَةَ أَبِي يُوسُفَ مَحْمَلُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ) وَعِبَارَتُهُ. قَالَ أَصْحَابُنَا: طُولُ الْقِيَامِ أَفْضَلُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كَثْرَةُ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا. ثُمَّ قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ حَيْثُ لَمْ يَتَعَرَّضْ إلَّا لِخِلَافِ الشَّافِعِيِّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) تَأْيِيدٌ لِمَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَأَمَرَ بِالتَّنَبُّهِ إشَارَةً إلَى مَا عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ الِاعْتِرَاضِ، حَيْثُ تَابَعَ شَيْخَهُ صَاحِبَ الْبَحْرِ، وَعَدَلَ عَمَّا عَلَيْهِ الْمُتُونُ الَّذِي هُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ الْمُصَحِّحِ، بَلْ هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ كَمَا مَرَّ، وَلِذَا قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: كَيْفَ يُخَالِفُ الْجَهَابِذَةَ تَبَعًا لِشَيْخِهِ وَيَجْعَلُهُ مَتْنًا وَالْمُتُونُ مَوْضُوعَةٌ لِنَقْلِ الْمَذْهَبِ؟ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>