للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَكْفِيهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً وَلَا تَسْقُطُ بِالْجُلُوسِ عِنْدَنَا بَحْرٌ. قُلْت: وَفِي الضِّيَاءِ عَنْ الْقُوتِ: مَنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهَا لِحَدِيثٍ أَوْ غَيْرِهِ يَقُولُ نَدْبًا كَلِمَاتِ التَّسْبِيحِ الْأَرْبَعَ أَرْبَعًا. (وَلَوْ تَكَلَّمَ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْفَرْضِ لَا يُسْقِطُهَا وَلَكِنْ يَنْقُصُ ثَوَابُهَا)

ــ

[رد المحتار]

أَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ لَا يَجْرِي فِي مَسْأَلَتِنَا لِأَنَّ الْفَرِيضَةَ إذَا قَامَتْ مَقَامَ التَّحِيَّةِ وَحَصَلَ الْمَقْصُودُ بِهَا لَمْ تَبْقَ التَّحِيَّةُ مَطْلُوبَةً لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْظِيمُ الْمَسْجِدِ بِأَيِّ صَلَاةٍ كَانَتْ، وَلَا يُؤْمَرُ بِتَحِيَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ إلَّا إذَا دَخَلَ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ كَمَا مَرَّ، وَحِينَئِذٍ فَإِذَا نَوَاهَا مَعَ الْفَرِيضَةِ يَكُونُ قَدْ نَوَى مَا تَضَمَّنَتْهُ الْفَرِيضَةُ وَسَقَطَ بِهَا، فَلَمْ يَكُنْ نَاوِيًا جِنْسًا آخَرَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى فَرْضَ الظُّهْرِ وَسُنَّتَهُ مَثَلًا فَلْيُتَأَمَّلْ، بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَنْوِيَهَا بِذَلِكَ الْفَرْضِ لِيَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُهَا أَيْ يَنْوِي بِإِيقَاعِ ذَلِكَ الْفَرْضِ فِي الْمَسْجِدِ تَحِيَّةَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ تَعْظِيمَ بَيْتِهِ لِأَنَّ سُقُوطَهَا بِهِ وَعَدَمَ طَلَبِهَا لَا يَسْتَلْزِمُ الثَّوَابَ بِلَا قَصْدِهَا.

ثُمَّ رَأَيْت الْمُحَقِّقَ ابْنَ حَجَرٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ كَتَبَ عِنْدَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ: وَتَحْصُلُ بِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ آخَرَ مَا نَصُّهُ: وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا مَعَهُ. لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَهِكْ حُرْمَةَ الْمَسْجِدِ الْمَقْصُودَةَ: أَيْ يَسْقُطُ طَلَبُهَا بِذَلِكَ، أَمَّا حُصُولُ ثَوَابِهَا فَالْوَجْهُ تَوَقُّفُهُ عَلَى النِّيَّةِ، لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَزَعَمَ أَنَّ الشَّارِعَ أَقَامَ فِعْلَ غَيْرِهَا مَقَامَ فِعْلِهَا فَيَحْصُلُ: أَيْ الثَّوَابُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بَعِيدٌ وَإِنْ قِيلَ إنَّ كَلَامَ الْمَجْمُوعِ يَقْتَضِيهِ؛ وَلَوْ نَوَى عَدَمَهَا لَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ اتِّفَاقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَخْذًا مِمَّا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ فِي سُنَّةِ الطَّوَافِ، وَإِنَّمَا ضَرَبَ نِيَّةَ ظُهْرٍ وَسُنَّةٍ مَثَلًا لِأَنَّهَا مَقْصُودَةٌ لِذَاتِهَا بِخِلَافِ التَّحِيَّةِ اهـ. وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا ضَرَبَ إلَخْ هُوَ عَيْنُ مَا بَحَثْته أَوَّلًا أَيْضًا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، فَإِنَّ مَا قَالَهُ لَا يُخَالِفُ قَوَاعِدَ مَذْهَبِنَا (قَوْلُهُ وَتَكْفِيهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مَرَّةٌ) أَيْ إذَا تَكَرَّرَ دُخُولُهُ لِعُذْرٍ. وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُؤَدِّيَهَا فِي أَوَّلِ الْمَرَّاتِ أَوْ آخِرِهَا ط.

(قَوْلُهُ وَلَا تَسْقُطُ بِالْجُلُوسِ عِنْدَنَا) فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي الْحَاكِمِ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِلْحُكْمِ إنْ شَاءَ صَلَّى التَّحِيَّةَ عِنْدَ دُخُولِهِ أَوْ عِنْدَ خُرُوجِهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ كَمَا فِي الْغَايَةِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسُ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ» فَهُوَ بَيَانٌ لِلْأَوْلَى لِحَدِيثِ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ «يَا أَبَا ذَرٍّ إنَّ لِلْمَسْجِدِ تَحِيَّةً، وَإِنَّ تَحِيَّتَهُ رَكْعَتَانِ، فَقُمْ فَارْكَعْهَا» وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ.

(قَوْلُهُ وَفِي الضِّيَاءِ إلَخْ) عِبَارَتُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ إمَّا لِحَدَثٍ أَوْ لِشَغْلٍ أَوْ نَحْوِهِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ " سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ " قَالَهُ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ فِي قُوتِ الْقُلُوبِ اهـ وَقَدَّمْنَا نَحْوَهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ.

[خَاتِمَةٌ] يُسْتَثْنَى مِنْ الْمَسَاجِدِ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَوَّلِ دُخُولِ الْآفَاقِيِّ الْمُحْرِمِ، فَإِنْ تَحِيَّتَهُ الطَّوَافُ، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ، كَذَا فِي الْحِلْيَةِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ التَّأَمُّلِ إطْلَاقُ الْمَسْجِدِ فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ.

وَفِي النَّهْرِ: وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ كَانَ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ أَوْ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ أَنَّهُ يَتْرُكُهَا، وَأَنَّهُ يُقَدِّمُ الطَّوَافَ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ السَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ.

قُلْت: لَكِنْ فِي لُبَابِ الْمَنَاسِكِ وَشَرْحِهِ لِمُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِئِ: وَلَا يَشْتَغِلُ بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ الشَّرِيفِ هِيَ الطَّوَافُ إنْ أَرَادَهُ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يُرِدْهُ وَأَرَادَ أَنْ يَجْلِسَ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ مَكْرُوهًا. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي مُرِيدُ الطَّوَافِ لِلتَّحِيَّةِ أَصْلًا لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ انْدِرَاجُهَا فِي رَكْعَتَيْهِ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ تَكَلَّمَ إلَخْ) وَكَذَا لَوْ فَصَلَ بِقِرَاءَةِ الْأَوْرَادِ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْفَصْلُ بِقَدْرِ " اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ إلَخْ " حَتَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>