نَذَرَ السُّنَنَ وَأَتَى بِالنُّذُورِ فَهُوَ السُّنَّةُ، وَقِيلَ لَا. أَرَادَ النَّوَافِلَ يَنْذُرُهَا ثُمَّ يُصَلِّيهَا، وَقِيلَ لَا. تَرَكَ السُّنَنَ، إنْ رَآهَا حَقًّا أَثِمَ وَإِلَّا كَفَرَ.
ــ
[رد المحتار]
نَازَعَ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي نَدْبِهَا لِمَنْ بِالْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ، خِلَافًا لِمَنْ خَصَّ نَدْبَهَا بِالْبَيْتِ، وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ إنَّهَا بِدْعَةٌ " وَقَوْلُ النَّخَعِيّ إنَّهَا ضَجْعَةُ الشَّيْطَانِ وَإِنْكَارُ ابْنِ مَسْعُودٍ لَهَا فَهُوَ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُمْ ذَلِكَ. وَقَدْ أَفْرَطَ ابْنُ حَزْمٍ فِي قَوْلِهِ بِوُجُوبِهَا وَأَنَّهَا شَرْطٌ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ. اهـ. وَلَا يَخْفَى بَعْدَ عَدَمِ الْبُلُوغِ إلَى هَؤُلَاءِ الْأَكَابِرِ الَّذِينَ بَلَغُوا الْمَبْلَغَ الْأَعْلَى لَا سِيَّمَا ابْنُ مَسْعُودٍ الْمُلَازِمُ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَضَرًا وَسَفَرًا وَابْنُ عُمَرَ الْمُتَفَحِّصُ عَنْ أَحْوَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كَمَالِ التَّتَبُّعِ وَالِاتِّبَاعِ. فَالصَّوَابُ حَمْلُ إنْكَارِهِمْ عَلَى الْعِلَّةِ السَّابِقَةِ مِنْ الْفَصْلِ أَوْ عَلَى فِعْلِهِ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ أَهْلِ الْفَضْلِ، وَلَيْسَ أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ صَرِيحًا وَلَا تَلْوِيحًا عَلَى فِعْلِهِ بِالْمَسْجِدِ، إذْ الْحَدِيثُ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ» فَالْمُطْلَقُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ. عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا فِي الْمَسْجِدِ شَائِعًا فِي زَمَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَا كَانَ يَخْفَى عَلَى هَؤُلَاءِ الْأَكَابِرِ الْأَعْيَانِ اهـ وَأَرَادَ بِالْمُقَيَّدِ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فِي بَيْتِهِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ اضْطِجَاعَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا كَانَ فِي بَيْتِهِ لِلِاسْتِرَاحَةِ لَا لِلتَّشْرِيعِ، وَإِنْ صَحَّ حَدِيثُ الْأَمْرِ بِهَا الدَّالِّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لِلتَّشْرِيعِ يُحْمَلُ عَلَى طَلَبِ ذَلِكَ فِي الْبَيْتِ فَقَطْ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ فَهُوَ السُّنَّةُ) لِأَنَّ النَّذْرَ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا سُنَّةً؛ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِيهَا ثُمَّ قَطَعَهَا ثُمَّ أَدَّاهَا كَانَتْ سُنَّةً وَزَادَتْ وَصْفَ الْوُجُوبِ بِالْقَطْعِ نَهْرٌ عَنْ عِقْدِ الْفَرَائِدِ.
(قَوْلُهُ أَرَادَ النَّوَافِلَ) فِي الْقُنْيَةِ: أَدَاءُ النَّفْلِ بَعْدَ النَّذْرِ أَفْضَلُ مِنْ أَدَائِهِ بِدُونِ النَّذْرِ اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ النَّهْيِ عَنْ النَّذْرِ، وَهُوَ مُرَجِّحٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ لَا يَنْذُرُهَا، لَكِنَّ بَعْضَهُمْ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ عَلَى شَرْطٍ لِأَنَّهُ يَصِيرُ حُصُولُ الشَّرْطِ كَالْعِوَضِ لِلْعِبَادَةِ، فَلَمْ يَكُنْ مُخْلِصًا. وَوَجْهُ مَنْ قَالَ بِنَذْرِهَا وَإِنْ كَانَتْ تَصِيرُ وَاجِبَةً بِالشُّرُوعِ أَنَّ الشُّرُوعَ فِي النَّذْرِ يَكُونُ وَاجِبًا فَيَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ الْوَاجِبِ بِهِ بِخِلَافِ النَّفْلِ وَالْأَحْسَنُ عِنْدَ الْعَبْدِ الضَّعِيفِ أَنْ لَا يَنْذُرَهَا خُرُوجًا عَنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ بِيَقِينٍ. اهـ.
مَطْلَبٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ النَّذْرِ
أَقُولُ: لَفْظُ حَدِيثِ النَّهْيِ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ إنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» وَالْمُتَبَادِرُ مِنْهُ إرَادَةُ النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ، كَإِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا. وَوَجْهُ النَّهْيِ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُصْ مِنْ شَائِبَةِ الْعِوَضِ حَيْثُ جَعَلَ الْقُرْبَةَ فِي مُقَابَلَةِ الشِّفَاءِ وَلَمْ تَسْمَحْ نَفْسُهُ بِهَا بِدُونِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ إيهَامِ اعْتِقَادِ التَّأْثِيرِ لِلنَّذْرِ فِي حُصُولِ الشِّفَاءِ، فَلِذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ «إنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا» إلَخْ فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ قَدْ وَقَعَ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ لِلنَّهْيِ، بِخِلَافِ النَّذْرِ الْمُنْجَزِ فَإِنَّهُ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ بِالْقُرْبَةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِلْزَامٌ لِلنَّفْسِ بِمَا عَسَاهَا لَا تَفْعَلُهُ بِدُونِهِ فَيَكُونُ قُرْبَةً. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا النَّذْرَ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا مَا صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْحَجِّ: لَوْ ارْتَدَّ عَقِيبَ نَذَرَ الِاعْتِكَافِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَلْزَمْهُ وُجُوبُ النَّذْرِ لِأَنَّ نَفْسَ النَّذْرِ بِالْقُرْبَةِ قُرْبَةٌ فَيَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ كَسَائِرِ الْقُرَبِ اهـ وَالْمُرَادُ بِهِ النَّذْرُ الْمُنْجَزُ لِمَا قُلْنَا. عَلَى أَنَّ بَعْضَ شُرَّاحِ الْبُخَارِيِّ حَمَلَ النَّهْيَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ النَّذْرَ مُؤَثِّرٌ فِي تَحْصِيلِ غَرَضِهِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَعَمُّ، لِقَوْلِهِ «وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[تَنْبِيهٌ] قَيَّدَ بِالنَّوَافِلِ فَأَفَادَ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي السُّنَنِ عَدَمُ نَذْرِهَا، وَلَعَلَّ وَجْهَ أَنَّ السُّنَنَ هِيَ مَا كَانَ يَفْعَلُهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ الْفَرَائِضِ أَوْ بَعْدَهَا، وَالْمَطْلُوبُ مِنْ اتِّبَاعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ يَفْعَلُهَا عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ كَانَ يَنْذُرُهَا، وَلِذَا قِيلَ بِأَنَّهَا لَا تَكُونُ هِيَ السُّنَّةَ، فَالْأَفْضَلُ عَدَمُ نَذْرِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَإِلَّا كَفَرَ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute