للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي الْمُنْيَةِ: أَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ وَأَكْثَرُهَا اثْنَيْ عَشَرَ، وَأَوْسَطُهَا ثَمَانٍ وَهُوَ أَفْضَلُهَا كَمَا فِي الذَّخَائِرِ الْأَشْرَفِيَّةِ، لِثُبُوتِهِ بِفِعْلِهِ وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَأَمَّا أَكْثَرُهَا فَبِقَوْلِهِ فَقَطْ، وَهَذَا لَوْ صَلَّى الْأَكْثَرَ بِسَلَامٍ وَاحِدٍ؛ أَمَّا لَوْ فَصَلَ فَكُلُّ مَا زَادَ أَفْضَلُ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ.

ــ

[رد المحتار]

رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَتَرْمَضُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْمِيمِ: أَيْ تَبْرُكُ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ فِي أَخِفَافِهَا. اهـ.

(قَوْلُهُ وَفِي الْمُنْيَةِ أَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ) نَقَلَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ مِثْلَهُ عَنْ الْغَزْنَوِيَّةِ وَالْحَاوِي وَالشِّرْعَةِ وَالسَّمَرْقَنْدِيَّة، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَشَى عَلَيْهِ فِي التَّبْيِينِ وَالْمِفْتَاحِ وَالدُّرَرِ. وَدَلِيلُ الْأَوَّلِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْصَى أَبَا هُرَيْرَةَ بِرَكْعَتَيْنِ» كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ. وَدَلِيلُ الثَّانِي «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعًا وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. وَالتَّوْفِيقُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ أَقَلُّ الْمَرَاتِبِ وَالْأَرْبَعُ أَدْنَى الْكَمَالِ (قَوْلُهُ وَأَكْثَرُهَا اثْنَا عَشَرَ) لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ ضَعْفٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ صَلَّى الضُّحَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ قَصْرًا مِنْ ذَهَبٍ فِي الْجَنَّةِ» وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ فِي الْفَضَائِلِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. وَقِيلَ أَكْثَرُهَا ثَمَانِيَةٌ، وَعَزَاهُ فِي الْحِلْيَةِ إلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَعَزَاهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إلَى الْأَكْثَرِينَ.

(قَوْلُهُ كَمَا فِي الذَّخَائِرِ الْأَشْرَفِيَّةِ) اسْمُ كِتَابٍ لِابْنِ الشِّحْنَةِ مُؤَلَّفٍ فِي الْأَلْغَازِ الْفِقْهِيَّةِ.

(قَوْلُهُ لِثُبُوتِهِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا أَوْرَدَ: فَكَيْفَ يَكُونُ أَوْسَطُهَا أَفْضَلَ مَعَ أَنَّ الْأَكْثَرَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْأَوْسَطِ وَزِيَادَةٍ وَفِيهِ زِيَادَةُ مَشَقَّةٍ؟ .

(قَوْلُهُ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ حَجَرٍ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ: وَلَا يُتَصَوَّرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَفْضَلِ وَالْأَكْثَرِ إلَّا فِيمَنْ صَلَّى الِاثْنَيْ عَشَرَ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهَا تَقَعُ نَفْلًا مُطْلَقًا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إنَّ أَكْثَرَ سُنَّةِ الضُّحَى ثَمَانِي رَكَعَاتٍ، فَأَمَّا إذَا فَصَلَهَا فَإِنَّهُ يَكُونُ صَلَّى الضُّحَى، وَمَا زَادَ عَلَى الثَّمَانِ يَكُونُ لَهُ نَفْلًا مُطْلَقًا فَتَكُونُ صَلَاةُ اثْنَيْ عَشَرَ فِي حَقِّهِ أَفْضَلَ مِنْ ثَمَانٍ لِكَوْنِهِ أَتَى بِالْأَفْضَلِ وَزَادَ. اهـ.

أَقُولُ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّ أَكْثَرَهَا ثَمَانِي رَكَعَاتٍ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الزِّيَادَةِ عِنْدَهُ لَوْ صَلَّاهَا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ بِتَسْلِيمَةٍ لَمْ تَقَعْ عَنْ سُنَّةِ الضُّحَى لِنِيَّتِهِ خِلَافَ الْمَشْرُوعِ فَالْأَفْضَلُ عِنْدَهُ صَلَاتُهَا ثَمَانِي رَكَعَاتٍ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ أَكْثَرُهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً لِجَوَازِ الْعَمَلِ بِالضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ كَمَا مَرَّ تَكُونُ هِيَ الْأَفْضَلَ، كَمَا لَوْ فَصَلَهَا كُلَّ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعٍ بِتَسْلِيمَةٍ عِنْدَ الْكُلِّ. وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ كَوْنَ الثَّمَانِيَةِ أَفْضَلَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا أَكْثَرُهَا لِعَدَمِ ثُبُوتِ الزِّيَادَةِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَخْفَى عَلَيْك مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ حَيْثُ مَشَى عَلَى أَنَّ أَكْثَرَهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً وَجَعَلَ أَوْسَطَهَا أَفْضَلَ. عَلَى أَنَّا لَوْ قُلْنَا إنَّ الثَّمَانِيَةَ هِيَ الْأَكْثَرُ، فَتَقْيِيدُ أَفْضَلِيَّتُهَا عَلَى الِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ بِمَا إذَا صَلَّى الِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ لِتَقَعَ نَفْلًا مُطْلَقًا لَا يُوَافِقُ قَوَاعِدَ مَذْهَبِنَا، بَلْ تَقَعُ عَمَّا نَوَى عَلَى قَوَاعِدِنَا؛ كَمَا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ سِتَّ رَكَعَاتٍ مَثَلًا وَقَعَدَ عَلَى رَأْسِ الرَّابِعَةِ فَإِنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الزَّائِدَتَيْنِ لَا تُغَيِّرُ مَا قَبْلَهَا عَنْ صِفَةِ الْفَرْضِيَّةِ لِصِحَّةِ الْبِنَاءِ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ عِنْدَنَا، وَنِيَّةُ الْعَدَدِ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، فَإِذَا صَلَّى الضُّحَى أَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِيَةٍ يَقَعُ الزَّائِدُ نَفْلًا مُطْلَقًا لَا الْكُلُّ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ وَصْلِهَا وَفَصْلِهَا، نَعَمْ فِي وَصْلِهَا كَرَاهَةُ الزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فِي نَفْلِ النَّهَارِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ وَإِنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى أَكْثَرِ الضُّحَى، فَلَا يَظْهَرُ حِينَئِذٍ كَوْنُ الثَّمَانِيَةِ أَفْضَلَ. وَقَدْ أَجَابَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ أَفْضَلِيَّةَ الثَّمَانِيَةِ لِلِاتِّبَاعِ أَيْ لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَيَتَرَجَّحُ فِيهَا الِاتِّبَاعُ لِلشَّارِعِ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ لِضَعْفِ حَدِيثِهَا، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ صَلَاةَ الْأَكْثَرِ مُتَضَمِّنَةٌ لِلْأَوْسَطِ الَّذِي فِيهِ الِاتِّبَاعُ إلَّا أَنْ يُبْنَى أَيْضًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الثَّمَانِيَةَ هِيَ الْأَكْثَرُ. وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ صَلَّاهَا أَكْثَرَ بِتَسْلِيمَةٍ تَقَعُ نَفْلًا مُطْلَقًا لَا عَمَّا نَوَى أَوْ يُقَالُ: مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْ الثَّمَانِيَةِ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ شَفْعٍ مِنْ الزَّائِدِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى الْمَجْمُوعِ فَهَذَا غَايَةُ مَا تَحَرَّرَ لِي هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>