للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الْمُجْتَهِدَ الْمُطْلَقَ قَدْ فُقِدَ، وَأَمَّا الْمُقَيَّدُ فَعَلَى سَبْعِ مَرَاتِبَ مَشْهُورَةٍ. وَأَمَّا نَحْنُ فَعَلَيْنَا اتِّبَاعُ مَا رَجَّحُوهُ وَمَا صَحَّحُوهُ كَمَا لَوْ أَفْتَوْا فِي حَيَاتِهِمْ.

فَإِنْ قُلْت: قَدْ يَحْكُونَ أَقْوَالًا بِلَا تَرْجِيحٍ، وَقَدْ يَخْتَلِفُونَ فِي الصَّحِيحِ. قُلْت: يُعْمَلُ بِمِثْلِ مَا عَمِلُوا مِنْ اعْتِبَارِ

ــ

[رد المحتار]

مَطْلَبٌ فِي طَبَقَاتِ الْفُقَهَاءِ

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمُقَيَّدُ إلَخْ) فِيهِ أَمْرَانِ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ الْمُطْلَقَ أَحَدُ السَّبْعَةِ. الثَّانِي، أَنَّ بَعْضَ السَّبْعَةِ لَيْسُوا مُجْتَهِدِينَ خُصُوصًا السَّابِعَةَ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ وَالْفُقَهَاءُ عَلَى سَبْعِ مَرَاتِبَ، وَقَدْ أَوْضَحَهَا الْمُحَقِّقُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ فَقَالَ: لَا بُدَّ لِلْمُفْتِي أَنْ يَعْلَمَ حَالَ مَنْ يُفْتِي بِقَوْلِهِ، وَلَا يَكْفِيهِ مَعْرِفَتُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ فِي الرِّوَايَةِ، وَدَرَجَتِهِ فِي الدِّرَايَةِ، وَطَبَقَتِهِ مِنْ طَبَقَاتِ الْفُقَهَاءِ، لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْقَائِلِينَ الْمُتَخَالِفِينَ وَقُدْرَةٍ كَافِيَةٍ فِي التَّرْجِيحِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ.

الْأُولَى: طَبَقَةُ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الشَّرْعِ كَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُمْ فِي تَأْسِيسِ قَوَاعِدِ الْأُصُولِ، وَبِهِ يَمْتَازُونَ عَنْ غَيْرِهِ.

الثَّانِيَةُ: طَبَقَةُ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْمَذْهَبِ كَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَسَائِرِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، الْقَادِرِينَ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الْأَحْكَامِ مِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ الَّتِي قَرَّرَهَا أُسْتَاذُهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْأَحْكَامِ وَإِنْ خَالَفُوهُ فِي بَعْضِ أَحْكَامِ الْفُرُوعِ، لَكِنْ يُقَلِّدُونَهُ فِي قَوَاعِدِ الْأُصُولِ، وَبِهِ يَمْتَازُونَ عَنْ الْمُعَارِضِينَ فِي الْمَذْهَبِ كَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ الْمُخَالِفِينَ لَهُ فِي الْأَحْكَامِ غَيْرِ مُقَلِّدِينَ لَهُ فِي الْأُصُولِ.

الثَّالِثَةُ: طَبَقَةُ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا نَصَّ فِيهَا عَنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ كَالْخَصَّافِ وَأَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ وَفَخْرِ الدِّينِ قَاضِي خَانْ وَأَمْثَالِهِمْ، فَإِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْمُخَالَفَةِ لَا فِي الْأُصُولِ وَلَا فِي الْفُرُوعِ لَكِنَّهُمْ يَسْتَنْبِطُونَ الْأَحْكَامَ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا نَصَّ فِيهَا عَلَى حَسَبِ الْأُصُولِ وَالْقَوَاعِدِ.

الرَّابِعَةُ: طَبَقَةُ أَصْحَابِ التَّخْرِيجِ مِنْ الْمُقَلِّدِينَ كَالرَّازِيِّ وَأَضْرَابِهِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الِاجْتِهَادِ أَصْلًا، لَكِنَّهُمْ لِإِحَاطَتِهِمْ بِالْأُصُولِ وَضَبْطِهِمْ لِلْمَآخِذِ يَقْدِرُونَ عَلَى تَفْصِيلِ قَوْلٍ مُجْمَلٍ ذِي وَجْهَيْنِ، وَحُكْمٍ مُبْهَمٍ مُحْتَمِلٍ لِأَمْرَيْنِ، مَنْقُولٍ عَنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ أَوْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ بِرَأْيِهِمْ وَنَظَرِهِمْ فِي الْأُصُولِ وَالْمُقَايَسَةِ عَلَى أَمْثَالِهِ وَنَظَائِرِهِ مِنْ الْفُرُوعِ. وَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ كَذَا فِي تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ وَتَخْرِيجِ الرَّازِيّ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ.

الْخَامِسَةُ: طَبَقَةُ أَصْحَابِ التَّرْجِيحِ مِنْ الْمُقَلِّدِينَ كَأَبِي الْحَسَنِ الْقُدُورِيِّ، وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَأَمْثَالِهِمْ، وَشَأْنُهُمْ تَفْضِيلُ بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَلَى بَعْضٍ، كَقَوْلِهِمْ هَذَا أَوْلَى، وَهَذَا أَصَحُّ رِوَايَةً، وَهَذَا أَوْفَقُ لِلنَّاسِ.

وَالسَّادِسَةُ: طَبَقَةُ الْمُقَلِّدِينَ الْقَادِرِينَ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْأَقْوَى وَالْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ وَظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَةِ النَّادِرَةِ، كَأَصْحَابِ الْمُتُونِ الْمُعْتَبَرَةِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، مِثْلُ صَاحِبِ الْكَنْزِ، وَصَاحِبِ الْمُخْتَارِ، وَصَاحِبِ الْوِقَايَةِ، وَصَاحِبِ الْمَجْمَعِ، وَشَأْنُهُمْ أَنْ لَا يَنْقُلُوا الْأَقْوَالَ الْمَرْدُودَةَ وَالرِّوَايَاتِ الضَّعِيفَةَ.

وَالسَّابِعَةُ: طَبَقَةُ الْمُقَلِّدِينَ الَّذِينَ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى مَا ذُكِرَ، وَلَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْغَثِّ وَالسَّمِينِ اهـ بِنَوْعِ اخْتِصَارٍ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا نَحْنُ) يَعْنِي أَهْلَ الطَّبَقَةِ السَّابِعَةِ، وَهَذَا مَعَ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ مَأْخُوذٌ مِنْ تَصْحِيحِ الشَّيْخِ قَاسِمٍ.

(قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ أَفْتَوْا فِي حَيَاتِهِمْ) أَيْ كَمَا نَتْبَعُهُمْ لَوْ كَانُوا أَحْيَاءً وَأَفْتَوْنَا بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَسَعُنَا مُخَالَفَتُهُمْ.

(قَوْلُهُ: بِلَا تَرْجِيحٍ)

<<  <  ج: ص:  >  >>