بَعْدِ سَلَامٍ وَاحِدٍ عَنْ يَمِينِهِ فَقَطْ) لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ، وَبِهِ يَحْصُلُ التَّحْلِيلُ وَهُوَ الْأَصَحُّ بَحْرٌ عَنْ الْمُجْتَبَى. وَعَلَيْهِ لَوْ أَتَى بِتَسْلِيمَتَيْنِ سَقَطَ عَنْهُ السُّجُودُ؛ وَلَوْ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ جَازَ وَكُرِهَ تَنْزِيهًا. وَعِنْدَ مَالِكٍ قَبْلَهُ فِي النُّقْصَانِ وَبَعْدَهُ فِي الزِّيَادَةِ، فَيُعْتَبَرُ الْقَافُ بِالْقَافِ وَالدَّالُ بِالدَّالِ (سَجْدَتَانِ. و) يَجِبُ أَيْضًا (تَشَهُّدٌ وَسَلَامٌ) لِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ
ــ
[رد المحتار]
أَنَّهُ سُنَّةٌ. وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الْوُجُوبُ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهُ لِجَبْرِ نُقْصَانٍ تَمَكَّنَ فِي الصَّلَاةِ فَيَجِبُ كَالدِّمَاءِ فِي الْحَجِّ، وَيَشْهَدُ لَهُ الْأَمْرُ بِهِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْجُدْ يَأْثَمُ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ، وَلِتَرْكِ سُجُودِ السَّهْوِ بَحْرٌ. وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ يَأْثَمُ لِتَرْكِ الْجَابِرِ فَقَطْ إذْ لَا إثْمَ عَلَى السَّاهِي، نَعَمْ هُوَ فِي صُورَةِ الْعَمْدِ ظَاهِرٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَرْتَفِعَ هَذَا الْإِثْمُ بِإِعَادَتِهَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ بَعْدَ سَلَامٍ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ يَجِبُ لَا بِيَجِبُ، لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ كُرِهَ تَنْزِيهًا، نَعَمْ يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِيَجِبُ بِالنَّظَرِ إلَى تَقْيِيدِ السَّلَامِ بِالْوَاحِدِ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ بَعْدَ التَّسْلِيمَتَيْنِ يَسْقُطُ السُّجُودُ.
(قَوْلُهُ وَاحِدٍ) هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، مِنْهُمْ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: إنَّهُ الصَّوَابُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْأَصْلِ اهـ إلَّا أَنَّ مُخْتَارَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ كَوْنُهُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ مِنْ غَيْرِ انْحِرَافٍ، وَقِيلَ يَأْتِي بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَصَدْرِ الْإِسْلَامِ أَخِي فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَالْمُفِيدِ وَالْيَنَابِيعِ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَعَزَاهُ أَيْ الثَّانِي فِي الْبَدَائِعِ إلَى عَامَّتِهِمْ، فَقَدْ تَعَارَضَ النَّقْلُ عَنْ الْجُمْهُورِ اهـ.
(قَوْلُهُ عَنْ يَمِينِهِ) احْتِرَازٌ عَمَّا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ مِنْ أَصْحَابِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ كَمَا عَلِمْته. وَفِي الْحِلْيَةِ: اخْتَارَ الْكَرْخِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ الْإِيضَاحِ أَنْ يُسَلِّمَ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً. وَنَصَّ فِي الْمُحِيطِ عَلَى أَنَّهُ الْأَصْوَبُ. وَفِي الْكَافِي عَلَى أَنَّهُ الصَّوَابُ. قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ لَا يَنْحَرِفَ فِي هَذَا السَّلَامِ، يَعْنِي فَيَكُونُ سَلَامُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ. وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى أَنَّهُ يُسَلِّمُ مَرَّةً وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِهِ خَاصَّةً. اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِالتَّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ قَائِلُونَ بِأَنَّهَا عَنْ الْيَمِينِ إلَّا فَخْرَ الْإِسْلَامِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ يَقُولُ إنَّهَا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَهُوَ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ أَيْضًا كَالْمِعْرَاجِ وَالْعِنَايَةِ وَالْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ) تَعْلِيلٌ لِكَوْنِهِ عَنْ يَمِينِهِ، وَقَوْلُهُ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّحْلِيلُ تَعْلِيلٌ لِكَوْنِهِ وَاحِدًا، وَيَأْتِي وَجْهُهُ قَرِيبًا.
(قَوْلُهُ بَحْرٌ عَنْ الْمُجْتَبَى) عِبَارَةُ الْبَحْرِ: وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ تَصْحِيحُ الْمُجْتَبَى أَنَّهُ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ فَقَطْ. وَقَدْ ظَنَّ فِي الْبَحْرِ وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ قَوْلٌ ثَالِثٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ جَمِيعَ أَصْحَابِ الْقَوْلِ الثَّانِي قَائِلُونَ بِأَنَّهُ يُسَلِّمُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ مَعَ أَنَّ الْقَائِلَ مِنْهُمْ بِذَلِكَ هُوَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فَقَطْ كَمَا عَلِمْته، وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى عَزْوِ هَذَا الْقَوْلِ إلَى الْمُجْتَبَى حَتَّى يَرِدَ مَا قِيلَ إنَّ تَصْحِيحَ الْمُجْتَبَى لَا يُوَازِي مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ الَّذِي هُوَ الْأَكْثَرُ تَصْحِيحًا وَالْأَصْوَبُ وَالصَّوَابُ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ لَوْ أَتَى إلَخْ) هَذَا جَعَلَهُ فِي الْبَحْرِ قَوْلًا رَابِعًا. وَاسْتَظْهَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوَاحِدَةِ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَجَّهُوا بِهِ الْقَوْلَ بِالْوَاحِدَةِ مِنْ أَنَّ السَّلَامَ الْأَوَّلَ لِشَيْئَيْنِ: لِلتَّحْلِيلِ وَلِلتَّحِيَّةِ؛ وَالسَّلَامُ الثَّانِي لِلتَّحِيَّةِ فَقَطْ أَيْ تَحِيَّةِ بَقِيَّةِ الْقَوْمِ لِأَنَّ التَّحْلِيلَ لَا يَتَكَرَّرُ؛ وَهُنَا سَقَطَ مَعْنَى التَّحِيَّةِ عَنْ السَّلَامِ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الْإِحْرَامَ فَكَانَ ضَمُّ الثَّانِي إلَيْهِ عَبَثًا، وَلَوْ فَعَلَهُ فَاعِلٌ لَقَطَعَ الْإِحْرَامَ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ بَعْدَ عَزْوِهِ ذَلِكَ إلَى فَخْرِ الْإِسْلَامِ حَتَّى إنَّهُ لَا يَأْتِي بَعْدَهُ بِسُجُودِ السَّهْوِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. اهـ. وَفِي الْمِعْرَاجِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: لَوْ سَلَّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ لَا يَأْتِي بِسُجُودِ السَّهْوِ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَالْكَلَامِ. اهـ. قُلْت: وَعَلَيْهِ فَيَجِبُ تَرْكُ التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ جَازَ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَفِي الْمُحِيطِ: وَرُوِيَ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يُجْزِيه وَيُعِيدُهُ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ فَيَعْتَبِرُ إلَخْ) أَيْ قَافٌ قَبْلُ لِقَافِ النُّقْصَانِ وَدَالٌ بَعْدُ لِدَالِ الزِّيَادَةِ.
(قَوْلُهُ يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ) أَيْ قِرَاءَتَهُ. حَتَّى لَوْ سَلَّمَ بِمُجَرَّدِ رَفْعِهِ مِنْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ