للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِيلَ مَنْ قَرَأَ آيَ السَّجْدَةِ كُلَّهَا فِي مَجْلِسٍ وَسَجَدَ لِكُلٍّ مِنْهَا كَفَاهُ اللَّهُ مَا أَهَمَّهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَقْرَؤُهَا وِلَاءً ثُمَّ يَسْجُدُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَسْجُدَ لِكُلٍّ بَعْدَ قِرَاءَتِهَا وَهُوَ غَيْرُهُ مَكْرُوهٌ كَمَا مَرَّ.

وَسَجْدَةُ الشُّكْرِ: مُسْتَحَبَّةٌ بِهِ يُفْتَى

ــ

[رد المحتار]

هِمَّتَهُ إلَى تَعَلُّمِهَا لِأَجْلِ دَفْعِ كُلِّ مُهِمَّةٍ أَيْ كُلِّ حَادِثَةٍ تُهِمُّهُ وَتُحْزِنُهُ.

(قَوْلُهُ آيَ السَّجْدَةِ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ جَمْعُ آيَةٍ (قَوْلُهُ وِلَاءٍ) بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوَّلًا وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّهُ أَوَّلًا يَسْرُدُهَا مُتَوَالِيَةً ثُمَّ يَسْجُدُ لِلْكُلِّ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً.

(قَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا أَوْرَدَ الْكَمَالُ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَرَأَهَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَغْيِيرُ نَظْمِ الْقُرْآنِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ اتِّبَاعَ النَّظْمِ مَأْمُورٌ بِهِ. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ قِرَاءَةَ آيَةٍ مِنْ السُّورَةِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ كَمَا مَرَّ تَعْلِيلُهُ عَنْ الْبَدَائِعِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَا مَرَّ فِي قِرَاءَةِ آيَةٍ وَاحِدَةٍ، أَمَّا إذَا قَرَأَ آيَاتِ السَّجْدَةِ وَضَمَّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَغْيِيرُ النَّظْمِ وَإِحْدَاثُ تَأْلِيفٍ جَدِيدٍ كَمَا نَقَلَهُ الرَّمْلِيُّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ، فَلِذَا أَجَابَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلنَّهْرِ بِحَمْلِ مَا فِي الْكَافِي عَلَى مَا إذَا سَجَدَ لِكُلِّ آيَةٍ بَعْدَ قِرَاءَتِهَا فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَغْيِيرُ النَّظْمِ لِحُصُولِ الْفَصْلِ بَيْنَ كُلِّ آيَتَيْنِ بِالسُّجُودِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَرَأَهَا وِلَاءً ثُمَّ سَجَدَ لَهَا فَهَذَا يُكْرَهُ.

قُلْت: لَكِنْ تَقَدَّمَ قُبَيْلَ فَصْلِ الْقِرَاءَةِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ عَقِبَ الصَّلَاةِ قِرَاءَةُ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَالْمُعَوِّذَاتِ، فَلَوْ كَانَ ضَمَّ آيَةً إلَى آيَةٍ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ مَكْرُوهًا لَزِمَ كَرَاهَةُ ضَمِّ آيَةِ الْكُرْسِيِّ إلَى الْمُعَوِّذَاتِ لِتَغْيِيرِ النَّظْمِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِمَا عَلِمْت بِدَلِيلِ أَنَّ كُلَّ مُصَلٍّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً أُخْرَى أَوْ آيَاتٍ أُخَرَ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ تَغْيِيرًا لِلنَّظْمِ لَكُرِهَ. فَالْأَحْسَنُ الْجَوَابُ بِمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مِنْ أَنَّ تَغْيِيرَ النَّظْمِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِإِسْقَاطِ بَعْضِ الْكَلِمَاتِ أَوْ الْآيَاتِ مِنْ السُّورَةِ لَا بِذِكْرِ كَلِمَةٍ أَوْ آيَةٍ، فَكَمَا لَا يَكُونُ قِرَاءَةُ سُوَرٍ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ أَثْنَاءِ الْقُرْآنِ مُغَيِّرًا لِلتَّأْلِيفِ وَالنَّظْمِ لَا يَكُونُ قِرَاءَةُ آيَةٍ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ مُغَيِّرًا لَهُ اهـ:

وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْمَكْرُوهَ إسْقَاطُ آيَةِ السَّجْدَةِ مِنْ السُّورَةِ مَعَ ضَمِّ مَا بَعْدَهَا إلَى مَا قَبْلَهَا لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ لِلنَّظْمِ، أَمَّا ضَمُّ آيَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَلَا يُكْرَهُ كَمَا لَا يُكْرَهُ ضَمُّ سُوَرٍ مُتَفَرِّقَةٍ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا كَرَاهَةَ فِي قِرَاءَةِ آيَاتِ السَّجْدَةِ وِلَاءً فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْكَافِي عَلَى ظَاهِرِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

مَطْلَبٌ فِي سَجْدَةِ الشُّكْرِ (قَوْلُهُ وَسَجْدَةُ الشُّكْرِ) كَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا بَعْدَ إنْهَاءِ الْكَلَامِ عَلَى سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ ط وَهِيَ لِمَنْ تَجَدَّدَتْ عِنْدَهُ نِعْمَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ رَزَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَالًا أَوْ وَلَدًا أَوْ انْدَفَعَتْ عَنْهُ نِقْمَةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْجُدَ لِلَّهِ تَعَالَى شُكْرًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى فِيهَا وَيُسَبِّحُهُ ثُمَّ يُكَبِّرُ فَيَرْفَعُ رَأْسَهُ كَمَا فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ سِرَاجٌ.

(قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) هُوَ قَوْلُهُمَا. وَأَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ فَنَقَلَ عَنْهُ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ قَالَ لَا أَرَاهَا وَاجِبَةً لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَوَجَبَ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ لِأَنَّ نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عَبْدِهِ مُتَوَاتِرَةٌ وَفِيهِ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ. وَنَقَلَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَاهَا شَيْئًا وَتَكَلَّمَ الْمُتَقَدِّمُونَ فِي مَعْنَاهُ؛ فَقِيلَ لَا يَرَاهَا سُنَّةً، وَقِيلَ شُكْرًا تَامًّا لِأَنَّ تَمَامَهُ بِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ كَمَا فَعَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَوْمَ الْفَتْحِ، وَقِيلَ أَرَادَ نَفْيَ الْوُجُوبِ، وَقِيلَ نَفْيَ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَأَنَّ فِعْلَهَا مَكْرُوهٌ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ بَلْ تَرْكُهُ أَوْلَى وَعَزَاهُ فِي الْمُصَفَّى إلَى الْأَكْثَرِينَ فَإِنْ كَانَ مُسْتَنَدُ الْأَكْثَرِينَ ثُبُوتَ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ بِهِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَكُلٌّ مِنْ عِبَارَتَيْهِ السَّابِقَتَيْنِ مُحْتَمِلٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ لِأَنَّهَا قَدْ جَاءَ فِيهَا غَيْرُ مَا حَدِيثٍ وَفَعَلَهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ فَلَا يَصِحُّ الْجَوَابُ عَنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّسْخِ كَذَا فِي الْحِلْيَةِ مُلَخَّصًا وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِيهَا وَفِي الْإِمْدَادِ

<<  <  ج: ص:  >  >>