للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِإِقَامَتِهَا عِنْدَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ بَعْدَ ذَلِكَ بَلْ الْإِذْنُ مُسْتَصْحَبٌ لِكُلِّ خَطِيبٍ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَمَا قَيَّدَهُ الزَّيْلَعِيُّ لَا دَلِيلَ لَهُ، وَمَا ذَكَرَهُ مُنْلَا خُسْرو وَغَيْرُهُ رَدَّهُ ابْنُ الْكَمَالِ فِي رِسَالَتِهِ خَاصَّةً بَرْهَنَ فِيهَا عَلَى الْجَوَازِ بِلَا شَرْطٍ وَأَطْنَبَ فِيهَا وَأَبْدَعَ وَلِكَثِيرٍ مِنْ الْفَوَائِدِ أَوْدَعَ.

ــ

[رد المحتار]

مِنْ السُّلْطَانِ أَوْ مِنْ مَأْذُونِهِ كَمَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ نَصُّ عِبَارَةِ ابْنِ جُرُبَاشَ الَّتِي نَقَلَهَا عَنْهُ فِي الْبَحْرِ وَهِيَ قَوْلُهُ بَعْدَ كَلَامٍ؛ وَإِذْ قَدْ عَرَفْت هَذَا فَيَتَمَشَّى عَلَيْهِ مَا يَقَعُ فِي زَمَانِنَا هَذَا مِنْ اسْتِئْذَانِ السُّلْطَانِ فِي إقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِيمَا يُسْتَجَدُّ مِنْ الْجَوَامِعِ فَإِنَّ إذْنَهُ بِإِقَامَتِهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِرَبِّهِ مُصَحِّحٌ لِإِذْنِ رَبِّ الْجَامِعِ لِمَنْ يُقِيمُهُ خَطِيبًا، وَلِإِذْنِ ذَلِكَ الْخَطِيبِ لِمَنْ عَسَاهُ أَنْ يَسْتَنِيبَهُ إلَخْ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ إقَامَتُهَا إلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ السُّلْطَانُ بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِدُونِهَا، أَمَّا بِدُونِ ذَلِكَ فَلَا كَمَا هُوَ صَرِيحُ مَا يَذْكُرُهُ الشَّارِحُ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ، نَعَمْ وَقَعَ فِي فَتَاوَى ابْنِ الشَّلَبِيِّ مَا يُوهِمُ مَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ الشَّارِحِ حَيْثُ سُئِلَ عَنْ ثَغْرٍ فِيهِ جَوَامِعُ لَهَا خُطَبَاءُ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ إذْنٌ صَرِيحٌ مِنْ السُّلْطَانِ مَعَ عِلْمِ السُّلْطَانِ بِذَلِكَ الثَّغْرِ وَبِإِقَامَةِ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ فِي جَوَامِعِهِ فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ إذْنًا دَلَالَةً؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى السَّدَادِ، وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّ مَنْ بَنَى جَامِعًا، وَأَرَادَ إقَامَةَ الْجُمُعَةِ اسْتَأْذَنَ الْإِمَامَ فَإِذَا وَجَدَ الْإِذْنَ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَقَدْ حَصَلَ بِهِ الْغَرَضُ وَالْإِذْنُ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ مُلَخَّصًا لَكِنْ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ إذْنُ السُّلْطَانِ ثَانِيًا بَلْ كُلُّ خَطِيبٍ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ لِلِاكْتِفَاءِ بِالْإِذْنِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ وَمَا قَيَّدَهُ الزَّيْلَعِيُّ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ إلَّا إذَا أَحْدَثَ قَالَ فِي الْبَحْرِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ الْإِطْلَاقُ. اهـ.

قُلْت: وَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ تَبِعَهُ عَلَيْهِ مُنْلَا خُسْرو صَاحِبُ الدُّرَرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ لَكِنَّهُ نَاقَضَ نَفْسَهُ حَيْثُ قَالَ بَعْدَهُ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ غَيْرُ الْخَطِيبِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ مَعَ الْخُطْبَةِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقِيمَهَا اثْنَانِ وَإِنْ فَعَلَ جَازَ اهـ وَهَذَا يَكُونُ بِاسْتِخْلَافِ الْخَطِيبِ، ثُمَّ قَالَ أَيْضًا خَطَبَ صَبِيٌّ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ وَصَلَّى بَالِغٌ جَازَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ اهـ قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ: فَهَذَا نَصٌّ مِنْهُ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ سَبْقِ الْحَدَثِ كَمَا قَدَّمْنَا مِنْ النُّصُوصِ بِمِثْلِهِ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ سَنَذْكُرُهُ آخِرَ الْبَابِ. [تَنْبِيهٌ]

أَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ بِأَنَّ كَلَامَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِالِاسْتِنَابَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَهَذَا عَجِيبٌ فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ لِابْنِ كَمَالٍ بَاشَا كَمَا عَلِمْت وَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْمَتْنِ لَيْسَتْ مَنْقُولَةً فِي الْمَذْهَبِ بَلْ هِيَ اخْتِلَافٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بَعْدَ الزَّيْلَعِيِّ فَكَيْفَ يَبْنِي كَلَامَهُ عَلَى أَحَدِهَا عَلَى أَنَّ اشْتِرَاطَ الِاسْتِنَابَةِ بِالضَّرُورَةِ إنَّمَا هُوَ لِلْخُطْبَةِ لَا لِلصَّلَاةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي عِبَارَةِ ابْنِ كَمَالٍ وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ سَبْقَ الْحَدَثِ لَا يَسْتَوْجِبُ الِاسْتِنَابَةَ فِي الْخُطْبَةِ لِصِحَّتِهَا مَعَهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَمَا ذَكَرَهُ مُنْلَا خُسْرو) أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ إلَّا إذَا فَوَّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ ح قُلْت: وَهُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ رَدَّهُ ابْنُ الْكَمَالِ) وَكَذَا رَدَّهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمِنَحِ وَالْإِمْدَادِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ بِلَا شَرْطٍ) أَيْ بِلَا شَرْطِ الْإِذْنِ مِنْ السُّلْطَانِ وَاسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ إلَى أَشْيَاءَ مِنْهَا مَا فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَنْشُورِ الْإِمَامَةِ الِاسْتِخْلَافُ. اهـ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَعَلَى هَذَا عَمَلُ الْأُمَّةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ. اهـ. نَعَمْ اشْتَرَطَ ابْنُ كَمَالٍ فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ لِجَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ أَنْ يَكُونَ لِضَرُورَةٍ وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي فِي الْمَتْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَبُنِيَ عَلَى ذَلِكَ فَسَادٌ مَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا حَيْثُ يَحْضُرُونَ أَيْ السَّلَاطِينُ فِي الْجَامِعِ بِلَا عُذْرٍ وَيَسْتَخْلِفُونَ الْغَيْرَ فِي إقَامَةِ الْجُمُعَةِ. اهـ. وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَةٍ بِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ: إمَامٌ خَطَبَ فَتَوَلَّى غَيْرُهُ وَشَهِدَ الْخُطْبَةَ وَلَمْ يَعْزِلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>