وَفِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ: أَنَّهُ جَائِزٌ مُطْلَقًا فِي زَمَانِنَا لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي تَارِيخِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ إذْنٌ عَامٌّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
وَفِي السِّرَاجِيَّةِ: لَوْ صَلَّى أَحَدٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْخَطِيبِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا اقْتَدَى بِهِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْجُمُعَةِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَدَاءُ النَّفْلِ بِجَمَاعَةٍ وَأَقَرَّهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ.
(مَاتَ وَالِي مِصْرٍ فَجَمَّعَ خَلِيفَتُهُ أَوْ صَاحِبُ الشَّرَطِ) بِفَتْحَتَيْنِ حَاكِمُ السِّيَاسَةِ (أَوْ الْقَاضِي الْمَأْذُونَ لَهُ فِي ذَلِكَ
ــ
[رد المحتار]
الْأَوَّلَ وَلَكِنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ بِالنَّاسِ فَصَلَّى جَازَ لِأَنَّهُ لَمَّا شَهِدَ الْخُطْبَةَ فَكَأَنَّمَا خَطَبَ بِنَفْسِهِ وَلَوْ أَنَّ الْقَادِمَ الَّذِي تَوَلَّى شَهِدَ خُطْبَةَ الْأَوَّلِ وَسَكَتَ عَنْهُ حَتَّى صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِقُدُومِهِ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ لِأَنَّهُ عَلَى وِلَايَتِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ الْعَزْلُ اهـ قَالَ فَهَذَا نَصٌّ فِي صِحَّةِ صَلَاةِ الْأَصِيلِ بِحَضْرَةِ نَائِبِهِ لِعِلْمِهِ بِعَزْلِهِ. اهـ.
أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ نَائِبًا عَنْهُ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى وِلَايَتِهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَا لَمْ يَظْهَرْ الْعَزْلُ مَعْنَاهُ مَا لَمْ يَعْزِلْهُ بِالْفِعْلِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ عِلْمَهُ بِالْعَزْلِ وَإِلَّا نَاقَضَ قَوْلَهُ قَبْلَهُ، وَهُوَ يَعْلَمُ بِقُدُومِهِ، وَالْأَوْضَحُ فِي الرَّدِّ مَا فِي الْبَدَائِعِ عَنْ النَّوَادِرِ أَنَّهُ يَصِيرُ مَعْزُولًا إذَا عَلِمَ بِحُضُورِ الثَّانِي، وَأَنَّ الثَّانِيَ إذَا أَمَرَ الْأَوَّلَ بِإِتْمَامِ الْخُطْبَةِ يَجُوزُ وَإِلَّا بَلْ سَكَتَ حَتَّى أَتَمَّهَا أَوْ حَضَرَ بَعْدَ فَرَاغِ الْأَوَّلِ مِنْ الْخُطْبَةِ لَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ لِأَنَّهَا خُطْبَةُ سُلْطَانٍ مَعْزُولٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِحُضُورِ الثَّانِي حَتَّى خَطَبَ وَصَلَّى وَالْأَوَّلُ سَاكِتٌ لِأَنَّهُ لَا يُعْزَلُ إلَّا بِالْعِلْمِ كَالْوَكِيلِ اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ مِنْ النَّائِبِ بِحَضْرَةِ الْأَصِيلِ. وَذُكِرَ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي: صَلَّى أَحَدٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْخَطِيبِ لَمْ يَجُزْ إلَّا إذَا اقْتَدَى بِهِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْجُمُعَةِ اهـ وَمِثْلُهُ مَا يَذْكُرُهُ الشَّارِحُ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَنَّهُ) أَيْ الِاسْتِخْلَافَ جَائِزٌ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لِضَرُورَةٍ أَوْ لَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ عِبَارَةِ مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ ح (قَوْلُهُ إذْنٌ عَامٌّ) أَيْ لِكُلِّ خَطِيبٍ أَنْ يَسْتَنِيبَ لَا لِكُلِّ شَخْصٍ أَنْ يَخْطُبَ فِي أَيِّ مَسْجِدٍ أَرَادَ ح.
أَقُولُ: لَكِنْ لَا يَبْقَى إلَى الْيَوْمِ الْإِذْنُ بَعْدَ مَوْتِ السُّلْطَانِ الْآذِنِ بِذَلِكَ إلَّا إذَا أَذِنَ بِهِ أَيْضًا سُلْطَانُ زَمَانِنَا نَصَرَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - كَمَا بَيَّنْته فِي تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ وَسَنَذْكُرُ فِي بَابِ الْعِيدِ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) لَعَلَّ الْمُرَادَ فَتْوَى أَهْلِ زَمَانِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ تَصْحِيحًا مُعْتَبَرًا؛ إذْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ التَّصْحِيحِ
(قَوْلُهُ لَوْ صَلَّى أَحَدٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْخَطِيبِ لَا يَجُوزُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخَطِيبَ خَطَبَ بِنَفْسِهِ، وَالْآخَرُ صَلَّى بِلَا إذْنِهِ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ خَطَبَ بِلَا إذْنِهِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا: خَطَبَ بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ، وَالْإِمَامُ حَاضِرٌ لَمْ يَجُزْ اهـ. وَلَا يُنَافِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ أَنَّهُ لَمَّا شَهِدَ الْخُطْبَةَ فَكَأَنَّمَا خَطَبَ بِنَفْسِهِ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ هُنَاكَ كَانَتْ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَتُهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا اقْتَدَى بِهِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْجُمُعَةِ) شَمِلَ الْخَطِيبَ الْمَأْذُونَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِهِ إذْنٌ دَلَالَةً بِخِلَافِ مَا لَوْ حَضَرَ وَلَمْ يَقْتَدِ وَعَلَيْهِ تُحْمَلُ عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ السَّابِقَةُ ثُمَّ إذَا كَانَ حُضُورُهُ بِدُونِ اقْتِدَاءٍ لَمْ يُعْتَبَرْ إذْنًا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ خُطْبَةُ غَيْرِهِ بِلَا إذْنٍ بِالْأَوْلَى خِلَافًا لِمَنْ فَهِمَ مِنْهُ الْجَوَازَ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ إلَخْ) أَيْ يُؤَيِّدُ الْجَوَازَ إذَا اقْتَدَى بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اقْتِدَاءَهُ بِهِ دَلِيلُ الْإِذْنِ لِأَنَّهُمْ وَإِنْ نَوَوْهَا جُمُعَةً لَكِنْ بِدُونِ شَرْطِهَا تَنْعَقِدُ نَفْلًا، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ اقْتِدَاؤُهُ إذْنًا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُؤَدِّيًا مَعَهُمْ النَّفَلَ بِجَمَاعَةٍ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَفِعْلُ الْمُسْلِمِ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى الْكَمَالِ فَيَكُونُ اقْتِدَاؤُهُ إجَازَةً لِفِعْلِهِ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْإِذْنِ السَّابِقِ، وَنَظِيرُهُ إذَا أَجَازَ نِكَاحَ الْفُضُولِيِّ بِالْفِعْلِ يَجُوزُ وَمُجَرَّدُ حُضُورِهِ وَسُكُوتِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا فَافْهَمْ
(قَوْلُهُ مَاتَ وَالِي مِصْرٍ) وَكَذَا لَوْ لَمْ يَحْضُرْ بِسَبَبِ الْفِتْنَةِ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: فَجَمَّعَ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ صَلَّى الْجُمُعَةَ خَلِيفَتُهُ أَيْ مَنْ عَهِدَ إلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ الْمُرَادُ مَنْ كَانَ يَخْلُفُهُ وَيَقُومُ مَقَامَهُ إذَا غَابَ أَوْ مَنْ أَقَامَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ خَلِيفَةً بَعْدَهُ إلَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ وَالٍ آخَرُ (قَوْلُهُ أَوْ صَاحِبُ الشَّرَطِ) جَمْعُ شُرْطِيٍّ كَتُرْكِيٍّ وَجُهَنِيٍّ قَامُوسٌ وَفِي الْمُغْرِبِ: الشُّرْطِيَّةُ بِالسُّكُونِ وَالْحَرَكَةِ خِيَارُ الْجُنْدِ وَأَوَّلُ كَتِيبَةٍ تَحْضُرُ الْحَرْبَ وَالْجَمْعُ شَرَطٌ وَصَاحِبُ الشُّرْطَةِ. فِي بَابِ الْجُمُعَةِ يُرَادُ بِهِ أَمِيرُ الْبَلْدَةِ كَأَمِيرِ بُخَارَى وَقِيلَ: هَذَا عَلَى عَادَتِهِمْ لِأَنَّ أُمُورَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا كَانَتْ حِينَئِذٍ إلَى صَاحِبِ الشُّرْطَةِ فَأَمَّا الْآنَ فَلَا. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ الْقَاضِي الْمَأْذُونُ لَهُ فِي ذَلِكَ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute