وَإِذَا جَلَسَ عِنْدَ الثَّانِي، وَالْخِلَافُ فِي كَلَامٍ يَتَعَلَّقُ بِالْآخِرَةِ أَمَّا غَيْرُهُ فَيُكْرَهُ إجْمَاعًا وَعَلَى هَذَا فَالتَّرْقِيَةُ الْمُتَعَارَفَةُ فِي زَمَانِنَا تُكْرَهُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا. وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ الْمُؤَذِّنُونَ حَالَ الْخُطْبَةِ مِنْ التَّرَضِّي وَنَحْوِهِ فَمَكْرُوهٌ اتِّفَاقًا وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمَرْقَى يَنْهَى عَنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ بِمُقْتَضَى حَدِيثِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنْصِتُوا رَحِمَكُمْ اللَّهُ. قُلْت: إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى قَوْلِهِمَا فَتَنَبَّهْ
ــ
[رد المحتار]
يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَالْكَلَامَ. وَعِنْدَهُمَا خُرُوجُهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَكَلَامُهُ يَقْطَعُ الْكَلَامَ (قَوْلُهُ عِنْدَ الثَّانِي) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَإِذَا جَلَسَ ط (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى قَوْلِهِ وَالْخِلَافُ. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الْمُرَقِّي بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ
(قَوْلُهُ فَالتَّرْقِيَةُ الْمُتَعَارَفَةُ إلَخْ) أَيْ مِنْ قِرَاءَةِ آيَةِ - {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ} [الأحزاب: ٥٦]- وَالْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «إذَا قُلْت لِصَاحِبِك يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْت» .
أَقُولُ: وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ فِي التُّحْفَةِ أَنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ لِأَنَّهُ حَدَثَ بَعْدَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ قِيلَ لَكِنَّهَا حَسَنَةٌ لِحَثِّ الْآيَةِ عَلَى مَا يُنْدَبُ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ إكْثَارِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الْيَوْمِ وَكَحَثِّ الْخَبَرِ عَلَى تَأَكُّدِ الْإِنْصَاتِ الْمُفَوِّتِ تَرْكُهُ لِفَضْلِ الْجُمُعَةِ بَلْ وَالْمُوقِعُ فِي الْإِثْمِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنْ الْعُلَمَاءِ.
وَأَقُولُ: يُسْتَدَلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا «بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ مَنْ يَسْتَنْصِتُ لَهُ النَّاسُ عِنْدَ إرَادَتِهِ خُطْبَةَ مِنًى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ» فَقِيَاسُهُ أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْخَطِيبِ أَمْرُ غَيْرِهِ بِالِاسْتِنْصَاتِ وَهَذَا هُوَ شَأْنُ الْمُرَقِّي فَلَمْ يَدْخُلْ ذِكْرُهُ لِلْخَبَرِ فِي حَيِّزِ الْبِدْعَةِ أَصْلًا اهـ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ عَنْ الرَّمْلِيِّ الشَّافِعِيِّ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: إنَّهُ لَا يَنْبَغِي الْقَوْلُ بِحُرْمَةِ قِرَاءَةِ الْحَدِيثِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَعَارَفِ لِتَوَافُرِ الْأُمَّةِ وَتَظَاهُرِهِمْ عَلَيْهِ اهـ وَنَقَلَ ح نَحْوَهُ عَنْ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ البرهمتوشي الْحَنَفِيِّ.
أَقُولُ: كَوْنُ ذَلِكَ مُتَعَارَفًا لَا يَقْتَضِي جَوَازَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ الْقَائِلِ بِحُرْمَةِ الْكَلَامِ وَلَوْ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ أَوْ رَدَّ سَلَامٍ اسْتِدْلَالًا بِمَا مَرَّ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْعُرْفِ الْحَادِثِ إذَا خَالَفَ النَّصَّ لِأَنَّ التَّعَارُفَ إنَّمَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى الْحِلِّ إذَا كَانَ عَامًّا مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ وَالْمُجْتَهِدِينَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَقِيَاسُ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ عَلَى خُطْبَةِ مِنًى قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ فَإِنَّ النَّاسَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَاعِدُونَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَ الْخَطِيبِ مُتَهَيِّئُونَ لِسَمَاعِهِ بِخِلَافِ خُطْبَةِ مِنًى فَلْيُتَأَمَّلْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يُقَالُ أَيْضًا فِي تَلْقِينِ الْمُرَقِّي الْأَذَانَ لِلْمُؤَذِّنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى الْمُؤَذِّنِ دُونَ الْمُرَقِّي لِأَنَّ سُنَّةَ الْأَذَانِ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ تَحْصُلُ بِأَذَانِ الْمُرَقِّي فَيَكُونُ الْمُؤَذِّنُ مُجِيبًا لِأَذَانِ الْمُرَقِّي وَإِجَابَةُ الْأَذَانِ حِينَئِذٍ مَكْرُوهَةٌ؛ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ أَذَانَ الْأَوَّلِ إذَا لَمْ يَكُنْ جَهْرًا يَسْمَعُهُ الْقَوْمُ يَكُونُ مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ فَيَكُونُ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الثَّانِي فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مِنْ التَّرَضِّي) أَيْ عَنْ الصَّحَابَةِ عِنْدَ ذِكْرِ أَسْمَائِهِمْ، وَقَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ مِنْ الدُّعَاءِ لِلسُّلْطَانِ عِنْدَ ذِكْرِهِ كُلُّ ذَلِكَ بِأَصْوَاتٍ مُرْتَفِعَةٍ كَمَا هُوَ مُعْتَادٌ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ كَبِلَادِ الرُّومِ وَمِنْهُ مَا هُوَ مُعْتَادٌ عِنْدَنَا أَيْضًا مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ صُعُودِ الْخَطِيبِ مَعَ تَمْطِيطِ الْحُرُوفِ وَالتَّنَغُّمِ (قَوْلُهُ: اتِّفَاقًا) هَذَا أَظْهَرُ مِمَّا فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَصَرَ الْكَرَاهَةَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ ط (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ) لَمْ يَذْكُرْ فِي الْبَحْرِ بَعْدَهُ إلَّا مَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ وَالْعَجَبُ ط (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَحْمِلَ عَلَى قَوْلِهِمَا) لَأَنْ يَقُولَ ذَلِكَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَهُمَا يَحْمِلَانِ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ» عَلَى الشُّرُوعِ فِيهَا حَقِيقَةً، فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ الْمُرَقِّي مُخَالِفًا لِحَدِيثِهِ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ أَنْصِتُوا، أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ مِنْ حَمْلِ قَوْلِهِ يَخْطُبُ عَلَى الْخُرُوجِ لِلْخُطْبَةِ بِقَرِينَةِ مَا رُوِيَ «إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ فَلَا صَلَاةَ وَلَا كَلَامَ» فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِحَدِيثِهِ الَّذِي يَرْوِيهِ وَيُكْرَهُ فَافْهَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute