أَوْ تَفَاؤُلًا، وَيُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ يَوْمِ مَسَرَّةٍ وَلِذَا قِيلَ:
عِيدٌ وَعِيدٌ صِرْنَ مُجْتَمِعَهْ ... وَجْهُ الْحَبِيبِ وَيَوْمُ الْعِيدِ وَالْجُمُعَهْ
فَلَوْ اجْتَمَعَا لَمْ يَلْزَمْ إلَّا صَلَاةُ أَحَدِهِمَا، وَقِيلَ الْأَوْلَى صَلَاةُ الْجُمُعَةِ، وَقِيلَ صَلَاةُ الْعِيدِ كَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ التُّمُرْتَاشِيِّ. قُلْت: قَدْ رَاجَعْت التُّمُرْتَاشِيَّ فَرَأَيْته حَكَاهُ عَنْ مَذْهَبِ الْغَيْرِ وَبِصُورَةِ التَّمْرِيضِ فَتَنَبَّهْ وَشَرَعَ فِي الْأُولَى مِنْ الْهِجْرَةِ (تَجِبُ صَلَاتُهُمَا) فِي الْأَصَحِّ (عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ بِشَرَائِطِهَا) الْمُتَقَدِّمَةِ (سِوَى الْخُطْبَةِ) فَإِنَّهَا سُنَّةٌ بَعْدَهَا،
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ فِي الْفَأْلِ وَالطِّيَرَةِ
(قَوْلُهُ أَوْ تَفَاؤُلًا) أَيْ بِعَوْدِهِ عَلَى مَنْ أَدْرَكَهُ كَمَا سُمِّيَتْ الْقَافِلَةُ قَافِلَةً تَفَاؤُلًا بِقُفُولِهَا أَيْ رُجُوعِهَا بَحْرٌ.
وَالْفَأْلُ: ضِدُّ الطِّيَرَةِ كَأَنْ يَسْمَعَ مَرِيضٌ يَا سَالِمُ أَوْ يَا طَالِبُ أَوْ يَا وَاجِدُ أَوْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ قَامُوسٌ، وَمِنْهُ حَدِيثُ " «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَفَاءَلُ وَلَا يَتَطَيَّرُ» وَكَذَا حَدِيثُ «كَانَ يُعْجِبُهُ إذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ أَنْ يَسْمَعَ يَا رَاشِدُ يَا رَجِيحُ» أَخْرَجَهُمَا السُّيُوطِيّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْفَأْلَ أَمَلٌ وَرَجَاءٌ لِلْخَيْرِ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - عِنْدَ كُلِّ سَبَبٍ ضَعِيفٍ أَوْ قَوِيٍّ بِخِلَافِ الطِّيَرَةِ (قَوْلُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ) أَيْ زَمَانٍ (قَوْلُهُ وَجْهُ الْحَبِيبِ) أَيْ يَوْمَ رُؤْيَتِهِ، وَإِلَّا فَوَجْهُ الْحَبِيبِ لَيْسَ زَمَانًا (قَوْلُهُ عَنْ مَذْهَبِ الْغَيْرِ) أَيْ مَذْهَبِ غَيْرِنَا أَمَّا مَذْهَبُنَا فَلُزُومُ كُلٍّ مِنْهُمَا. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ نَاقِلًا عَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: عِيدَانِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَالْأَوَّلُ سُنَّةٌ وَالثَّانِي فَرِيضَةٌ وَلَا يُتْرَكُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا اهـ.
قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: احْتَرَزَ بِهِ قَوْلُ عَطَاءٍ تَجْزِي صَلَاةُ الْعِيدِ عَنْ الْجُمُعَةِ وَمِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ سُقُوطُ الْجُمُعَةِ بِالْعِيدِ مَهْجُورٌ. وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّ ذَلِكَ فِي أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) مُقَابِلُهُ الْقَوْلُ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ وَصَحَّحَهُ النَّسَفِيُّ فِي الْمَنَافِعِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَنَصَّ عَلَى تَصْحِيحِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْبَدَائِعِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُحِيطِ وَالْمُخْتَارِ وَالْكَافِي النَّسَفِيِّ. وَفِي الْخُلَاصَةِ هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَيْهَا وَسَمَّاهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ سُنَّةً لِأَنَّ وُجُوبَهَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ حِلْيَةٌ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ السُّنَّةِ: الْمُؤَكَّدَةُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَلَا يُتْرَكُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَكَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مِرَارًا أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْوَاجِبِ عِنْدَنَا وَلِهَذَا كَانَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ كَالْوَاجِبِ. اهـ. وَسَيَأْتِي لَهُ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ وَفِيهِ كَلَامٌ سَتَعْرِفُهُ (قَوْلُهُ: بِشَرَائِطِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِ تَجِبُ الْأَوَّلُ، وَالضَّمِيرُ لِلْجُمُعَةِ وَشَمِلَ شَرَائِطَ الْوُجُوبِ وَشَرَائِطَ الصِّحَّةِ لَكِنَّ شَرَائِطَ الْوُجُوبِ عُلِمَتْ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ، فَبَقِيَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ بِشَرَائِطِهَا الْقِسْمُ الثَّانِي فَقَطْ، وَاسْتَثْنَى مِنْ الثَّانِي الْخُطْبَةَ، وَاسْتَثْنَى فِي الْجَوْهَرَةِ مِنْ الْأَوَّلِ الْمَمْلُوكَ إذَا أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ الْعِيدُ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ لَهَا بَدَلًا وَهُوَ الظُّهْرُ، وَقَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ عَلَيْهِ الْعِيدُ أَيْضًا لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لَا تَصِيرُ مَمْلُوكَةً لَهُ بِالْأَذَانِ. اهـ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبَحْرِ.
قُلْت: وَفِي إمَامَةِ الْبَحْرِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي الْعِيدِ تُسَنُّ عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّتِهَا، وَتَجِبُ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا غَيْرُ شَرْطٍ عَلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ لَكِنْ صَرَّحَ بَعْدَهُ بِأَنَّهَا شَرْطٌ لِصِحَّتِهَا عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَيْ فَتَكُونُ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْإِتْيَانِ بِهَا عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ وَإِلَّا كَانَتْ نَفْلًا مُطْلَقًا تَأَمَّلْ لَكِنْ اعْتَرَضَ ط مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ الْجُمُعَةَ مِنْ شَرَائِطِهَا الْجَمَاعَةُ الَّتِي هِيَ جَمْعٌ وَالْوَاحِدُ هُنَا مَعَ الْإِمَامِ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ فَإِنَّهَا سُنَّةٌ بَعْدَهَا) بَيَانٌ لِلْفَرْقِ وَهُوَ أَنَّهَا فِيهَا سُنَّةٌ لَا شَرْطٌ وَأَنَّهَا بَعْدَهَا لَا قَبْلَهَا بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: حَتَّى لَوْ لَمْ يَخْطُبْ أَصْلًا صَحَّ وَأَسَاءَ لِتَرْكِ السُّنَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute