للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَيُلَقَّنُ) نَدْبًا. وَقِيلَ: وُجُوبًا (بِذِكْرِ الشَّهَادَتَيْنِ) لِأَنَّ الْأُولَى لَا تُقْبَلُ بِدُونِ الثَّانِيَةِ (عِنْدَهُ) قَبْلَ الْغَرْغَرَةِ.

وَاخْتُلِفَ فِي قَبُولِ تَوْبَةِ الْيَأْسِ، وَالْمُخْتَارُ قَبُولُ تَوْبَتِهِ لَا إِيمَانِهِ وَالْفَرْقُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا.

ــ

[رد المحتار]

مَطْلَبٌ فِي تَلْقِينِ الْمُحْتَضَرِ الشَّهَادَةَ

(قَوْلُهُ وَيُلَقَّنُ إلَخْ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُسْلِمٌ يَقُولُهَا عِنْدَ الْمَوْتِ إلَّا أَنْجَتْهُ مِنْ النَّارِ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» كَذَا فِي الْبُرْهَانِ أَيْ دَخَلَهَا مَعَ الْفَائِزِينَ، وَإِلَّا فَكُلُّ مُسْلِمٍ، وَلَوْ فَاسِقًا يَدْخُلُهَا وَلَوْ بَعْدَ طُولِ عَذَابٍ إمْدَادٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ وُجُوبًا) فِي الْقُنْيَةِ وَكَذَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: الْوَاجِبُ عَلَى إخْوَانِهِ وَأَصْدِقَائِهِ أَنْ يُلَقِّنُوهُ اهـ قَالَ فِي النَّهْرِ: لَكِنَّهُ تَجَوُّزٌ لِمَا فِي الدِّرَايَةِ مِنْ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ بِالْإِجْمَاعِ اهـ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ بِذِكْرِ الشَّهَادَتَيْنِ) قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: وَإِنَّمَا اقْتَصَرْت عَلَى ذِكْرِ الشَّهَادَةِ تَبَعًا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَإِنْ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَغَيْرِهِ وَلُقِّنَ الشَّهَادَتَيْنِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَتَعْلِيلُهُ فِي الدُّرَرِ بِأَنَّ الْأُولَى لَا تُقْبَلُ بِدُونِ الثَّانِيَةِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمُؤْمِنِ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَقَوْلُ جَمْعٍ يُلَقَّنُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أَيْضًا لِأَنَّ الْقَصْدَ مَوْتُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُسَمَّى مُسْلِمًا إلَّا بِهِمَا مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ مُسْلِمٌ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ خَتْمُ كَلَامِهِ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لِيَحْصُلَ لَهُ ذَلِكَ الثَّوَابُ أَمَّا الْكَافِرُ فَيُلَقَّنُهَا قَطْعًا مَعَ لَفْظِ أَشْهَدُ لِوُجُوبِهِ؛ إذْ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا إلَّا بِهِمَا اهـ.

قُلْت: وَقَدْ يُشِيرُ إلَيْهِ تَعْبِيرُ الْهِدَايَةِ وَالْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ وَالْكَنْزِ بِتَلْقِينِ الشَّهَادَةِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة كَانَ أَبُو حَفْصٍ الْحَدَّادُ يُلَقِّنُ الْمَرِيضَ بِقَوْلِهِ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إلَيْهِ، وَكَانَ يَقُولُ فِيهَا مَعَانٍ: أَحَدُهَا تَوْبَةٌ، وَالثَّانِي تَوْحِيدٌ، وَالثَّالِثُ أَنَّ الْمَرِيضَ رُبَّمَا يَفْزَعُ لِأَنَّ الْمُلَقِّنَ رَأَى فِيهِ عَلَامَةَ الْمَوْتِ وَلَعَلَّ أَقْرِبَاءَ الْمَيِّتِ يَتَأَذَّوْنَ بِهِ (قَوْلُهُ عِنْدَهُ) مُتَعَلِّقٌ بِذِكْرِ (قَوْلُهُ: قَبْلَ الْغَرْغَرَةِ) لِأَنَّهَا تَكُونُ قُرْبَ كَوْنِ الرُّوحِ فِي الْحُلْقُومِ وَحِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُ النُّطْقُ بِهِمَا ط وَفِي الْقَامُوسِ غَرْغَرَ جَادَ بِنَفْسِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ. اهـ.

قُلْت: وَكَأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ غَرْغَرَ بِالْمَاءِ إذَا أَدَارَهُ فِي حَلْقِهِ فَكَأَنَّهُ يُدِيرُ رُوحَهُ فِي حَلْقِهِ. مَطْلَبٌ فِي قَبُولِ تَوْبَةِ الْيَأْسِ (قَوْلُهُ وَاخْتُلِفَ فِي قَبُولِ تَوْبَةِ الْيَأْسِ) بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ ضِدُّ الرَّجَاءِ وَقَطْعُ الْأَمَلِ مِنْ الْحَيَاةِ أَوْ بِالْمُوَحَّدَةِ التَّحْتِيَّةِ وَالْمُرَادُ بِهِ الشِّدَّةُ وَأَهْوَالُ الْمَوْتِ وَيُحْتَمَلُ مَدُّ الْهَمْزَةِ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ وَإِسْكَانُهَا عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ (قَوْلُهُ وَالْمُخْتَارُ إلَخْ) أَقُولُ: قَالَ فِي أَوَاخِرِ الْبَزَّازِيَّةِ قِيلَ: تَوْبَةُ الْيَأْسِ مَقْبُولَةٌ لَا إيمَانُ الْيَأْسِ، وَقِيلَ: لَا تُقْبَلُ كَإِيمَانِهِ لِأَنَّهُ تَعَالَى سَوَّى بَيْنَ مَنْ أَخَّرَ التَّوْبَةَ إلَى حُضُورِ الْمَوْتِ مِنْ الْفَسَقَةِ وَالْكُفَّارِ وَبَيْنَ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ فِي قَوْلِهِ - {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ} [النساء: ١٨] الْآيَةَ - كَمَا فِي الْكَشَّافِ وَالْبَيْضَاوِيِّ وَالْقُرْطُبِيِّ، وَفِي الْكَبِيرِ لِلرَّازِيِّ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ قُرْبُ الْمَوْتِ لَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ التَّوْبَةِ بَلْ الْمَانِعُ مِنْهُ مُشَاهَدَةُ الْأَهْوَالِ الَّتِي يَحْصُلُ الْعِلْمُ عِنْدَهَا عَلَى سَبِيلِ الِاضْطِرَارِ، فَهَذَا كَلَامُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالسُّنِّيَّةُ وَالْأَشَاعِرَةُ أَنَّ تَوْبَةَ الْيَأْسِ لَا تُقْبَلُ كَإِيمَانِ الْيَأْسِ بِجَامِعِ عَدَمِ الِاخْتِيَارِ، وَخُرُوجِ النَّفْسِ مِنْ الْبَدَنِ، وَعَدَمِ رُكْنِ التَّوْبَةِ وَهُوَ الْعَزْمُ بِطَرِيقِ التَّصْمِيمِ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إلَى مَا ارْتَكَبَ وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي تَوْبَةِ الْيَأْسِ إنْ أُرِيدَ بِالْيَأْسِ مُعَايَنَةُ أَسْبَابِ الْمَوْتِ بِحَيْثُ يَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ الْمَوْتَ يُدْرِكُهُ لَا مَحَالَةَ كَمَا أَخْبَرَ - تَعَالَى - عَنْهُ بِقَوْلِهِ {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر: ٨٥] وَقَدْ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْفَتَاوَى أَنَّ تَوْبَةَ الْيَأْسِ مَقْبُولَةٌ، فَإِنْ أُرِيدَ بِالْيَأْسِ مَا ذَكَرْنَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا قُلْنَا وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْقُرْبُ مِنْ الْمَوْتِ فَلَا كَلَامَ فِيهِ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>