للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ بِهَا) لِئَلَّا يَضْجَرَ وَإِذَا قَالَهَا مَرَّةً كَفَاهُ وَلَا يُكَرَّرُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ لِيَكُونَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيُنْدَبُ قِرَاءَةُ يس وَالرَّعْدِ

(وَلَا يُلَقَّنُ بَعْدَ تَلْحِيدِهِ) وَإِنْ فُعِلَ لَا يُنْهَى عَنْهُ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَيَكْفِي قَوْلُهُ " يَا فُلَانُ يَا ابْنَ فُلَانٍ اُذْكُرْ مَا كُنْت عَلَيْهِ وَقُلْ رَضِيت بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ اسْمُهُ قَالَ: يُنْسَبُ إلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ ".

ــ

[رد المحتار]

أَنَّ زَمَانَ الْيَأْسِ زَمَانُ مُعَايَنَةِ الْهَوْلِ وَالْمَسْطُورُ فِي الْفَتَاوَى أَنَّ تَوْبَةَ الْيَأْسِ مَقْبُولَةٌ لَا إيمَانُهُ لِأَنَّ الْكَافِرَ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ عَارِفٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَيَبْدَأُ إيمَانًا وَعِرْفَانًا وَالْفَاسِقُ عَارِفٌ وَحَالُهُ حَالُ الْبَقَاءِ أَسْهَلُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى قَبُولِهَا مِنْهُ مُطْلَقًا إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى: ٢٥] اهـ مُلَخَّصًا.

وَظَاهِرُ آخِرِ كَلَامِهِ اخْتِيَارُ التَّفْصِيلِ وَعَزَاهُ إلَى مَذْهَبِ الْمَاتُرِيدِيَّةِ الشَّيْخُ عَبْدُ السَّلَامِ فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ وَالِدِهِ اللَّقَانِيِّ وَقَالَ وَعِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ لَا تُقْبَلُ حَالَ الْغَرْغَرَةِ تَوْبَةٌ وَلَا غَيْرُهَا كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ. اهـ.

وَانْتَصَرَ لِلثَّانِي الْمُنْلَا عَلَى الْقَارِئِ فِي شَرْحِهِ عَلَى بَدْءِ الْأَمَالِي بِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فَإِنَّهُ يَشْمَلُ تَوْبَةَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ. وَاعْتَرَضَ قَوْلَ بَعْضِ الشُّرَّاحِ أَنَّ التَّفْصِيلَ مُخْتَارُ أَئِمَّةِ بُخَارَى مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَجَمْعٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ كَالسُّبْكِيِّ وَالْبُلْقِينِيِّ بِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ يَحْتَاجُ إلَى ظُهُورِ حُجَّتِهِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ظَنِّيَّةٌ، وَأَمَّا إيمَانُ الْيَأْسِ فَلَا يُقْبَلُ اتِّفَاقًا وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي بَابِ الرِّدَّةِ (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ لَهُ قُلْ فَهُوَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى مَفْعُولِهِ (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَضْجَرَ) أَيْ وَيَرُدَّهَا دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَيُنْدَبُ قِرَاءَةُ يس) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اقْرَءُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ يس» صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَقَالَ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَتْ الْأَنْصَارُ إذَا حَضَرُوا قَرَءُوا عِنْدَ الْمَيِّتِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ إلَّا أَنَّ مُجَالِدًا مُضَعَّفٌ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ: وَالرَّعْدِ) هُوَ اسْتِحْسَانُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لِقَوْلِ جَابِرٍ إنَّهَا تُهَوِّنُ عَلَيْهِ خُرُوجَ رُوحِهِ إمْدَادٌ.

مَطْلَبٌ فِي التَّلْقِينِ بَعْدَ الْمَوْتِ

(قَوْلُهُ: وَلَا يُلَقَّنُ بَعْدَ تَلْحِيدِهِ) ذَكَرَ فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَفِي الْخَبَّازِيَّةِ وَالْكَافِي عَنْ الشَّيْخِ الزَّاهِدِ الصَّفَّارِ: أَنَّ هَذَا عَلَى قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ بَعْدَ الْمَوْتِ عِنْدَهُمْ مُسْتَحِيلٌ أَمَّا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ فَالْحَدِيثُ أَيْ «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْيِيهِ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ أَمَرَ بِالتَّلْقِينِ بَعْدَ الدَّفْنِ فَيَقُولُ: يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ اُذْكُرْ دِينَك الَّذِي كُنْت عَلَيْهِ مِنْ شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارَ حَقٌّ وَأَنَّ الْبَعْثَ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ وَأَنَّك رَضِيت بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبِيًّا وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا وَبِالْكَعْبَةِ قِبْلَةً وَبِالْمُؤْمِنِينَ إخْوَانًا» . اهـ. وَقَدْ أَطَالَ فِي الْفَتْحِ فِي تَأْيِيدِ حَمْلِ مَوْتَاكُمْ فِي الْحَدِيثِ عَلَى حَقِيقَتِهِ مَعَ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ يَسْمَعُ أَوْ لَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ لَكِنْ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: إنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَجَازُهُ ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا لَا يُنْهَى عَنْ التَّلْقِينِ بَعْدَ الدَّفْنِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ بَلْ نَفْعٌ فَإِنَّ الْمَيِّتَ يَسْتَأْنِسُ بِالذِّكْرِ عَلَى مَا وَرَدَ فِي الْآثَارِ إلَخْ.

قُلْت: وَمَا فِي ط عَنْ الزَّيْلَعِيِّ لَمْ أَرَهُ فِيهِ وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهِ قِيلَ يُلَقَّنُ لِظَاهِرِ مَا رَوَيْنَاهُ وَقِيلَ: لَا، وَقِيلَ لَا يُؤْمَرُ بِهِ وَلَا يُنْهَى عَنْهُ اهـ وَظَاهِرُ اسْتِدْلَالِهِ لِلْأَوَّلِ اخْتِيَارُهُ فَافْهَمْ.

مَطْلَبٌ فِي سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ هَلْ هُوَ عَامٌّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَوْ لَا؟

(قَوْلُهُ وَمَنْ لَا يُسْأَلُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ سُؤَالَ الْقَبْرِ لَا يَكُونُ لِكُلِّ أَحَدٍ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي السِّرَاجِ: كُلُّ ذِي رُوحٍ مِنْ بَنِي آدَمَ يُسْأَلُ فِي الْقَبْرِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ لَكِنْ يُلَقِّنُ الرَّضِيعَ الْمَلَكُ، وَقِيلَ لَا بَلْ يُلْهِمُهُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا أَلْهَمَ عِيسَى فِي الْمَهْدِ اهـ لَكِنْ فِي حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ نَظَرٌ. فَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ الْآثَارَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا لِمُؤْمِنٍ أَوْ مُنَافِقٍ مِمَّنْ كَانَ مَنْسُوبًا إلَى أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِظَاهِرِ الشَّهَادَةِ دُونَ الْكَافِرِ الْجَاحِدِ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ لَكِنْ رَدَّ عَلَيْهِ الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ وَقَالَ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هُوَ الْأَرْجَحُ وَلَا أَقُولُ سِوَاهُ. وَنَقَلَ الْعَلْقَمِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الرَّاجِحَ أَيْضًا اخْتِصَاصُ السُّؤَالِ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ خِلَافًا لِمَا اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ وَنُقِلَ أَيْضًا عَنْ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ أَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ اخْتِصَاصُ السُّؤَالِ بِالْمُكَلَّفِ، وَقَالَ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ شَيْخُنَا يَعْنِي الْحَافِظَ السُّيُوطِيّ. مَطْلَبٌ ثَمَانِيَةٌ لَا يُسْأَلُونَ فِي قُبُورِهِمْ

ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ مَنْ لَا يُسْأَلُ ثَمَانِيَةٌ: الشَّهِيدُ، وَالْمُرَابِطُ، وَالْمَطْعُونُ، وَالْمَيِّتُ زَمَنَ الطَّاعُونِ بِغَيْرِهِ إذَا كَانَ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، وَالصِّدِّيقُ وَالْأَطْفَالُ، وَالْمَيِّتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَتَهَا، وَالْقَارِئُ كُلَّ لَيْلَةٍ تَبَارَكَ الْمُلْكُ وَبَعْضُهُمْ ضَمَّ إلَيْهَا السَّجْدَةَ وَالْقَارِئُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] اهـ وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّهُ يُزَادُ الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَنَّهُمْ أَوْلَى مِنْ الصِّدِّيقِينَ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ إلَخْ) ذَكَرَهُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي الْمُسَايَرَةِ (قَوْلُهُ: وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ إلَخْ) أَيْ فِي أَنَّهُمْ يُسْأَلُونَ، وَفِي أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ فِي الْمُسَايَرَةِ. مَطْلَبٌ فِي أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ

وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي سُؤَالِ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ وَفِي دُخُولِهِمْ الْجَنَّةَ أَوْ النَّارَ، فَتَرَدَّدَ فِيهِمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ وَقَدْ وَرَدَتْ فِيهِمْ أَخْبَارٌ مُتَعَارِضَةٌ فَالسَّبِيلُ تَفْوِيضُ أَمْرِهِمْ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا بِلَا ذَنْبٍ اهـ وَقَالَ تِلْمِيذُهُ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ فِي شَرْحِهِ وَقَدْ نُقِلَ الْأَمْرُ بِالْإِمْسَاكِ عَنْ الْكَلَامِ فِي حُكْمِهِمْ فِي الْآخِرَةِ مُطْلَقًا عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ مِنْ رُءُوسِ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ ضَعَّفَ أَبُو الْبَرَكَاتِ النَّسَفِيُّ رِوَايَةَ التَّوَقُّفِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ عَنْهُ أَنَّهُمْ فِي الْمَشِيئَةِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» وَقَدْ حَكَى فِيهِمْ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ الْأَكْثَرُ أَنَّهُمْ فِي النَّارِ، الثَّانِي: التَّوَقُّفُ، الثَّالِثُ: الَّذِي صَحَّحَهُ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ لِحَدِيثِ «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» وَيَمِيلُ إلَيْهِ مَا مَرَّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَفِيهِمْ أَقْوَالٌ أُخَرُ ضَعِيفَةٌ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>