للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَبَعْدَ كُلِّ خَطِيئَةٍ، وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ.

وَرُكْنُهَا: غَسْلٌ وَمَسْحٌ وَزَوَالُ نَجَسٍ. وَآلَتُهَا: مَاءٌ وَتُرَابٌ وَنَحْوُهُمَا. وَدَلِيلُهَا آيَةُ - {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: ٦]- وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ إجْمَاعًا.

وَأَجْمَعَ أَهْلُ السِّيَرِ أَنَّ الْوُضُوءَ وَالْغَسْلَ فُرِضَا بِمَكَّةَ مَعَ فَرْضِ الصَّلَاةِ بِتَعْلِيمِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُصَلِّ قَطُّ إلَّا بِوُضُوءٍ، بَلْ هُوَ شَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا، بِدَلِيلِ «هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ

ــ

[رد المحتار]

الْوُضُوءِ مِنْهُ، وَهَذَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ بَعْدُ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ أَفَادَهُ ط.

(قَوْلُهُ: وَبَعْدَ كُلِّ خَطِيئَةٍ) عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا ذَكَرَهُ مِمَّا هُوَ خَطِيئَةٌ وَذَلِكَ لِمَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ مِنْ تَكْفِيرِ الْوُضُوءِ لِلذُّنُوبِ.

(قَوْلُهُ: وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ) كَمَسِّ ذَكَرِهِ وَمَسِّ امْرَأَةٍ.

(قَوْلُهُ: وَرُكْنُهَا) هُوَ فِي اللُّغَةِ الْجَانِبُ الْأَقْوَى. وَفِي الِاصْطِلَاحِ الْجَزَاءُ الذَّاتِيُّ الَّذِي تَتَرَكَّبُ الْمَاهِيَّةُ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْحَلَبِيِّ.

(قَوْلُهُ: غُسْلٌ وَمَسْحٌ وَزَوَالُ نَجَسٍ) أَيْ مَجْمُوعُ الثَّلَاثَةِ، فَفِي النَّجَاسَةِ الْمَرْئِيَّةِ زَوَالُ عَيْنِ النَّجَسِ، وَفِي غَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ وَالْحَدَثِ الْأَكْبَرِ غُسْلٌ فَقَطْ، وَفِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ غُسْلٌ وَمَسْحٌ، وَأَمَّا نَحْوُ الْعَصْرِ وَالتَّثْلِيثِ فَمِنْ الشُّرُوطِ.

(قَوْلُهُ: وَنَحْوُهُمَا) مِنْ مَائِعٍ وَذَلِكَ وَذَكَاةٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا سَيَأْتِي فِي الْمُطَهَّرَاتِ.

(قَوْلُهُ: وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ) لِأَنَّهَا مِنْ الْمَائِدَةِ، وَهِيَ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا. [فَائِدَةٌ]

الْمَدَنِيُّ مَا نَزَلَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَدِينَةِ، وَالْمَكِّيُّ مَا نَزَلَ قَبْلَهَا وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَكَّةَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ حَكَاهَا السُّيُوطِيّ فِي الْإِتْقَانِ ط.

(قَوْلُهُ: وَأَجْمَعَ أَهْلُ السِّيَرِ) جَمْعُ سِيرَةٍ أَيْ الْمَغَازِي، وَهَذَا رَدٌّ لِمَا يُقَالُ يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ بِلَا وُضُوءٍ إلَى وَقْتِ نُزُولِ آيَةِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّك ذَكَرْت أَنَّ آيَةَ الْوُضُوءِ مَدَنِيَّةٌ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ فُرِضَتْ بِمَكَّةَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، بَلْ فِي الْمَوَاهِبِ عَنْ فَتْحِ الْبَارِي أَنَّهُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ الْإِسْرَاءِ يُصَلِّي قَطْعًا وَكَذَلِكَ أَصْحَابُهُ، وَلَكِنْ اُخْتُلِفَ هَلْ اُفْتُرِضَ قَبْلَ الْخَمْسِ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ أَمْ لَا؟ فَقِيلَ إنَّ الْفَرْضَ كَانَ صَلَاةً قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا - {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: ١٣٠]-. اهـ.

(قَوْلُهُ: مَعَ فَرْضِ الصَّلَاةِ) إنْ أُرِيدَ بِهَا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ أَشْكَلَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي قَبْلَهَا قَطْعًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَعِيَّةَ لِلْمَكَانِ لَا لِلزَّمَانِ، فَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ صَلَاتُهُ قَبْلَ الِافْتِرَاضِ بِلَا وُضُوءٍ؛ وَلِذَا عَمَّمَ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ. مَطْلَبٌ فِي تَعَبُّدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ.

(قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ شَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا) انْتِقَالٌ إلَى جَوَابٍ آخَرَ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَبْلَ مَبْعَثِهِ كَانَ مُتَعَبِّدًا بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ لَمْ يَنْقَطِعْ مِنْ بَعْثَةِ آدَمَ وَلَمْ يُتْرَكْ النَّاسُ سُدًى قَطُّ، وَلِتَظَافُرِ رِوَايَاتِ صَلَاتِهِ وَصَوْمِهِ وَحَجِّهِ، وَلَا تَكُونُ طَاعَةٌ بِلَا شَرْعٍ؛ لِأَنَّ الطَّاعَةَ مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ وَكَذَا بَعْدَ مَبْعَثِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَبُسِطَ ذَلِكَ فِي التَّحْرِيرِ وَشَرْحِهِ، وَسَيَأْتِي أَوَّلَ كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَنَا عَدَمُهُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ.

(قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ إلَخْ) أَيْ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِي آخِرِهِ «ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ هَذَا وُضُوئِي» إلَخْ ". مَطْلَبُ لَيْسَ أَصْلُ الْوُضُوءِ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، بَلْ الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ

وَدُفِعَ بِأَنَّ وُجُودَهُ فِي الْأَنْبِيَاءِ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِهِ فِي أُمَمِهِمْ؛ وَلِهَذَا قِيلَ إنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَقِيَّةِ الْأُمَمِ دُونَ أَنْبِيَائِهِمْ، لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «إنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>