للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَكَذَا) أَهْلُ عُصْبَةٍ وَ (مُكَابِرٌ فِي مِصْرٍ لَيْلًا بِسِلَاحٍ وَخَنَّاقٌ) خَنَقَ غَيْرَ مَرَّةٍ فَحُكْمُهُمْ كَالْبُغَاةِ.

(مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ) وَلَوْ (عَمْدًا يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ) بِهِ يُفْتَى وَإِنْ كَانَ أَعْظَمَ وِزْرًا مِنْ قَاتِلِ غَيْرِهِ. وَرَجَّحَ الْكَمَالُ قَوْلَ الثَّانِي بِمَا فِي مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُتِيَ بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ» .

ــ

[رد المحتار]

قُلْت: وَفِي الْأَحْكَامِ عَنْ أَبِي اللَّيْثِ: وَلَوْ قُتِلُوا فِي غَيْرِ الْحَرْبِ أَوْ مَاتُوا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ اهـ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْمَطْلُوبِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا أَهْلُ عُصْبَةٍ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ، وَفِي نُسْخَةٍ عَصَبِيَّةٍ.

وَفِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ: الْعَصَبِيَّةُ وَالتَّعَصُّبُ: الْمُحَامَاةُ وَالْمُدَافَعَةُ. وَالْعَصَبِيُّ: مَنْ يُعِينُ قَوْمَهُ عَلَى الظُّلْمِ، وَاَلَّذِي يَغْضَبُ لِعُصْبَتِهِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إلَى عَصَبِيَّةٍ أَوْ قَاتَلَ عَصَبِيَّةً» قَالَ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ: وَفِي النَّوَازِلِ: وَجَعَلَ مَشَايِخُنَا الْمَقْتُولِينَ فِي الْعَصَبِيَّةِ فِي حُكْمِ أَهْلِ الْبَغْيِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. وَفِي الْمُغْنِي: جَعَلَ الدَّرْوَازَكِيُّ وَالْكَلَابَاذِيُّ كَالْبَاغِي وَكَذَا الْوَاقِفُونَ النَّاظِرُونَ إلَيْهِمَا إنْ أَصَابَهُمْ حَجَرٌ أَوْ غَيْرُهُ وَمَاتُوا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَلَوْ مَاتُوا بَعْدَ تَفَرُّقِهِمْ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ. اهـ. قَالَ ط: وَمِثْلُهُمْ سَعْدٌ وَحَرَامٌ بِمِصْرَ وَقَيْسٌ وَيَمَنٌ بِبَعْضِ الْبِلَادِ اهـ.

أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا حَيْثُ كَانَ الْبَغْيُ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ، فَلَوْ بَغَى أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَقَصَدَ الْآخَرُ الْمُدَافَعَةَ عَنْ نَفْسِهِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ يَكُونُ الْمُدَافِعُ شَهِيدًا. وَفِي شَرْحِ مُنْلَا مِسْكِينٍ مَا يُؤَيِّدُهُ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: وَمُكَابِرٍ فِي مِصْرٍ لَيْلًا بِسِلَاحٍ) كَذَا فِي الدُّرَرِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهِمَا. وَالْمُكَابِرُ: بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمُتَغَلِّبُ إسْمَاعِيلُ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ يَقِفُ فِي مَحَلٍّ مِنْ الْمِصْرِ يَتَعَرَّضُ لِمَعْصُومٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مِنْ أَنَّهُ يَكُونُ قَاطِعَ طَرِيقٍ إذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ لَيْلًا مُطْلَقًا أَوْ نَهَارًا بِسِلَاحٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى، فَيُعْطَى أَحْكَامَ قَاطِعِ الطَّرِيقِ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ مِنْ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَخْذِ شَيْءٍ وَقَتَلَ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ، وَإِنْ أَخَذَ مَالًا قُطِعَ مِنْ خِلَافٍ وَإِنْ قَتَلَ مَعْصُومًا قُتِلَ حَدًّا عَلَى مَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي مَحَلِّهِ، فَحَيْثُ كَانَ حَدُّهُ الْقَتْلَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ بِسِلَاحٍ غَيْرُ قَيْدٍ لِأَنَّهُ إذَا وَقَفَ فِي الْمِصْرِ لَيْلًا لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ قَاتِلًا بِسِلَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ كَحَجَرٍ أَوْ عَصًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ خَنَقَ غَيْرَ مَرَّةٍ) هُوَ مُفَادُ صِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ، وَقَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْبُغَاةِ بِمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْمِصْرِ. وَعِبَارَتُهُ فِي الشَّرْحِ: وَمَنْ تَكَرَّرَ الْخَنِقُ بِكَسْرِ النُّونِ مِنْهُ فِي الْمِصْرِ أَيْ خَنَقَ مِرَارًا، ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ قُتِلَ بِهِ سِيَاسَةً لِسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ يُدْفَعُ شَرُّهُ بِالْقَتْلِ وَإِلَّا بِأَنْ خَنَقَ مَرَّةً لَا لِأَنَّهُ كَالْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ، وَفِيهِ الْقَوَدُ عِنْدَ غَيْرِ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ أَيْ وَأَمَّا عِنْدَهُ فَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَالْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ بِأَنْ خَنَقَ مَرَّةً أَنَّ التَّكْرَارَ يَحْصُلُ بِمَرَّتَيْنِ (قَوْلُهُ: فَحُكْمُهُمْ كَالْبُغَاةِ) كَذَا فِي الْبَحْرِ وَالزَّيْلَعِيِّ: أَيْ حُكْمُ أَهْلِ عَصَبِيَّةٍ وَمُكَابِرٍ وَخَنَّاقٍ حُكْمُ الْبُغَاةِ فِي أَنَّهُمْ لَا يُغَسَّلُونَ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ. وَأَمَّا فِي الدُّرَرِ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنْ غُسِّلُوا: أَيْ الْبُغَاةُ وَالْقُطَّاعُ وَالْمُكَابِرُ، فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَقَدَّمْنَا تَرْجِيحَهَا

(قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) لِأَنَّهُ فَاسِقٌ غَيْرُ سَاعٍ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ، وَإِنْ كَانَ بَاغِيًا عَلَى نَفْسِهِ كَسَائِرِ فُسَّاقِ الْمُسْلِمِينَ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ الْكَمَالُ قَوْلَ الثَّانِي إلَخْ) أَيْ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ: إنَّهُ يُغَسَّلُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إسْمَاعِيلُ عَنْ خِزَانَةِ الْفَتَاوَى. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالْكِفَايَةِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ الْإِمَامِ السَّعْدِيِّ: الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا تَوْبَةَ لَهُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ، لَكِنْ تَأَيَّدَ الثَّانِي بِالْحَدِيثِ. اهـ.

أَقُولُ: قَدْ يُقَالُ: لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ سِوَى «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ» فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ امْتَنَعَ زَجْرًا لِغَيْرِهِ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ كَمَا امْتَنَعَ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَدْيُونِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>