(لَا) يُصَلَّى عَلَى (قَاتِلِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ) إهَانَةً لَهُ، وَأَلْحَقَهُ فِي النَّهْرِ بِالْبُغَاةِ.
(وَهِيَ أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ) كُلُّ تَكْبِيرَةٍ قَائِمَةٌ مَقَامَ رَكْعَةٍ (يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الْأُولَى فَقَطْ) وَقَالَ أَئِمَّةُ بَلْخٍ فِي كُلِّهَا (وَيُثْنِي بَعْدَهَا) وَهُوَ " سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك " (وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) كَمَا فِي التَّشَهُّدِ (بَعْدَ الثَّانِيَةِ) لِأَنَّ تَقْدِيمَهَا سُنَّةُ الدُّعَاءِ (وَيَدْعُو بَعْدَ الثَّالِثَةِ) بِأُمُورِ الْآخِرَةِ وَالْمَأْثُورُ أَوْلَى،
ــ
[رد المحتار]
صَلَاةِ أَحَدٍ عَلَيْهِ مِنْ الصَّحَابَةِ؛ إذْ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ صَلَاتِهِ وَصَلَاةِ غَيْرِهِ. قَالَ تَعَالَى {إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: ١٠٣] ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بَحْثًا كَذَلِكَ، وَأَيْضًا فَالتَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ لَا تَوْبَةَ لَهُ مُشْكِلٌ عَلَى قَوَاعِدِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ فِي قَبُولِ تَوْبَةِ الْعَاصِي، بَلْ التَّوْبَةُ مِنْ الْكُفْرِ مَقْبُولَةٌ قَطْعًا وَهُوَ أَعْظَمُ وِزْرًا، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مَا إذَا تَابَ حَالَةَ الْيَأْسِ كَمَا إذَا فَعَلَ بِنَفْسِهِ مَا لَا يَعِيشُ مَعَهُ عَادَةً كَجُرْحٍ مُزْهِقٍ فِي سَاعَتِهِ وَإِلْقَاءٍ فِي بَحْرٍ أَوْ نَارٍ فَتَابَ، أَمَّا لَوْ جَرَحَ نَفْسَهُ، وَبَقِيَ حَيًّا أَيَّامًا مَثَلًا ثُمَّ تَابَ وَمَاتَ فَيَنْبَغِي الْجَزْمُ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ وَلَوْ كَانَ مُسْتَحِلًّا لِذَلِكَ الْفِعْلِ؛ إذْ التَّوْبَةُ مِنْ الْكُفْرِ حِينَئِذٍ مَقْبُولَةٌ فَضْلًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ، بَلْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي قَبُولِ تَوْبَةِ الْعَاصِي حَالَةَ الْيَأْسِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِيمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ عَمْدًا، أَمَّا لَوْ كَانَ خَطَأً فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا وَسَيَأْتِي عَدُّهُ مَعَ الشُّهَدَاءِ
(قَوْلُهُ: لَا يُصَلَّى عَلَى قَاتِلِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إذَا قَتَلَهُ الْإِمَامُ قِصَاصًا، أَمَّا لَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ يُصَلَّى عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبُغَاةِ وَنَحْوِهِمْ، وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ وَأَلْحَقَهُ فِي النَّهْرِ بِالْبُغَاةِ) أَيْ فَلَا يُعَدُّ خَامِسًا هَكَذَا فَهِمْت، ثُمَّ رَأَيْته فِي ط، لَكِنْ فِيهِ أَنَّ عِبَارَةَ النَّهْرِ هَكَذَا: وَالْعَصَبِيَّةُ كَالْبُغَاةِ، وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ الْخَنَّاقُ وَقَاتِلُ أَحَدِ أَبَوَيْهِ اهـ وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ الْمُسْتَثْنَى أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: وَقَالَ أَئِمَّةُ بَلْخٍ فِي كُلِّهَا) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ، وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي حَاشِيَتِهِ لِلرَّمْلِيِّ: رُبَّمَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْحَنَفِيَّ إذَا اقْتَدَى بِالشَّافِعِيِّ فَالْأَوْلَى مُتَابَعَتُهُ فِي الرَّفْعِ وَلَمْ أَرَهُ. اهـ.
أَقُولُ: وَلَمْ يَقُلْ يَجِبُ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ إنَّمَا تَجِبُ فِي الْوَاجِبِ أَوْ الْفَرْضِ، وَهَذَا الرَّفْعُ غَيْرُ وَاجِبٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ؛ وَمَا فِي شَرْحِ الْكَيْدَانِيَّةِ لِلْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْمُتَابَعَةُ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي تَكْبِيرَاتِ الرُّكُوعِ وَتَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ فِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ لَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُسَوَّغُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ بِالنَّظَرِ إلَى الرَّفْعِ فِي تَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ قَالَ بِهِ الْبَلْخِيُّونَ مِنْ أَئِمَّتِنَا، وَقَدْ أَوْضَحْنَا الْمَقَامَ فِي آخِرِ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ، وَقَدَّمْنَا أَيْضًا شَيْئًا مِنْهُ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك) كَذَا فَسَّرَ بِهِ الثَّنَاءَ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: إنَّهُ مُرَادُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ مِنْ الثَّنَاءِ، وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّ هَذَا رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ. وَاَلَّذِي فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ صَاحِبِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَحْمَدُ اللَّهَ. اهـ.
أَقُولُ: مُقْتَضَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حُصُولُ السُّنَّةِ بِأَيِّ صِيغَةٍ مِنْ صِيَغِ الْحَمْدِ، فَيَشْمَلُ الثَّنَاءَ الْمَذْكُورَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْحَمْدِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي التَّشَهُّدِ) أَيْ الْمُرَادُ الصَّلَاةُ الْإِبْرَاهِيمِيَّة الَّتِي يَأْتِي بِهَا الْمُصَلِّي فِي قَعْدَةِ التَّشَهُّدِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ تَقْدِيمَهَا) أَيْ تَقْدِيمَ الصَّلَاةِ عَلَى الدُّعَاءِ سُنَّةٌ كَمَا أَنَّ تَقْدِيمَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمَا سُنَّةٌ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَيَدْعُو إلَخْ) أَيْ لِنَفْسِهِ وَلِلْمَيِّتِ وَلِلْمُسْلِمِينَ لِكَيْ يَغْفِرَ لَهُ فَيُسْتَجَابَ دُعَاؤُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الدُّعَاءِ أَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ. قَالَ تَعَالَى {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا} [نوح: ٢٨] جَوْهَرَةٌ، ثُمَّ أَفَادَ أَنَّ مَنْ لَمْ يُحْسِنْ الدُّعَاءَ بِالْمَأْثُورِ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلَهُ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ (قَوْلُهُ وَالْمَأْثُورُ أَوْلَى) وَمِنْ الْمَأْثُورِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا. اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْته مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمَنْ تَوَفَّيْته مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute