وَقُدِّمَ فِيهِ الْإِسْلَامُ مَعَ أَنَّهُ الْإِيمَانُ لِأَنَّهُ مُنْبِئٌ عَنْ الِانْقِيَادِ فَكَأَنَّهُ دُعَاءٌ فِي حَالِ الْحَيَاةِ بِالْإِيمَانِ وَالِانْقِيَادِ، وَأَمَّا فِي حَالِ الْوَفَاةِ فَالِانْقِيَادُ، وَهُوَ الْعَمَلُ غَيْرُ مَوْجُودٍ (وَيُسَلِّمُ) بِلَا دُعَاءٍ (بَعْدَ الرَّابِعَةِ) تَسْلِيمَتَيْنِ نَاوِيًا الْمَيِّتَ مَعَ الْقَوْمِ، وَيُسِرُّ الْكُلَّ إلَّا التَّكْبِيرَ زَيْلَعِيٌّ وَغَيْرُهُ، لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ الْعَمَلُ فِي زَمَانِنَا عَلَى الْجَهْرِ بِالتَّسْلِيمِ. وَفِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى: يَجْهَرُ بِوَاحِدَةٍ
(وَلَا قِرَاءَةَ وَلَا تَشَهُّدَ فِيهَا) وَعَيَّنَ الشَّافِعِيُّ الْفَاتِحَةَ فِي الْأُولَى. وَعِنْدَنَا تَجُوزُ بِنِيَّةِ الدُّعَاءِ،
ــ
[رد المحتار]
لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ» مِنَحٌ، وَثَمَّ أَدْعِيَةٌ أُخَرُ فَانْظُرْهَا فِي الْفَتْحِ وَالْإِمْدَادِ وَشُرُوحِ الْمُنْيَةِ. [تَنْبِيهٌ]
الْمُرَادُ الِاسْتِيعَابُ، فَالْمَعْنَى اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ، فَلَا يُنَافِي قَوْلُهُ وَصَغِيرِنَا قَوْلَهُ الْآتِي، وَلَا يَسْتَغْفِرُ لِصَبِيٍّ: أَيْ لَا يَقُولُ اغْفِرْ لَهُ أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ، وَالْمُرَادُ بِالْإِبْدَالِ فِي الْأَهْلِ وَالزَّوْجَةِ إبْدَالُ الْأَوْصَافِ لَا الذَّوَاتِ {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: ٢١] وَلِخَبَرِ الطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِ «إنَّ نِسَاءَ الْجَنَّةِ مِنْ نِسَاءِ الدُّنْيَا أَفْضَلُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ» " وَفِيمَنْ لَا زَوْجَةَ لَهُ عَلَى تَقْدِيرِهَا لَهُ أَنْ لَوْ كَانَتْ وَلِأَنَّهُ صَحَّ الْخَبَرُ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ لِآخِرِ أَزْوَاجِهَا: أَيْ إذَا مَاتَ وَهِيَ فِي عِصْمَتِهِ وَفِي حَدِيثٍ رَوَاهُ جَمْعٌ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ «الْمَرْأَةُ مِنَّا رُبَّمَا يَكُونُ لَهَا زَوْجَانِ فِي الدُّنْيَا فَتَمُوتُ وَيَمُوتَانِ وَيَدْخُلَانِ الْجَنَّةَ لِأَيِّهِمَا هِيَ؟ قَالَ: لِأَحْسَنِهِمَا خُلُقًا كَانَ عِنْدَهَا فِي الدُّنْيَا» وَتَمَامُهُ فِي تُحْفَةِ ابْنِ حَجَرٍ (قَوْلُهُ وَقَدَّمَ فِيهِ الْإِسْلَامَ) أَيْ فِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ كَمَا مَرَّ.
اعْلَمْ أَنَّ الْإِسْلَامَ عَلَى وَجْهَيْنِ: شَرْعِيٍّ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْإِيمَانِ. وَلُغَوِيٍّ، وَهُوَ بِمَعْنَى الِاسْتِسْلَامِ وَالِانْقِيَادِ كَمَا فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ لِلنَّسَفِيِّ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ مَعَ أَنَّهُ الْإِيمَانُ نَاظِرٌ لِلْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ لِلْإِسْلَامِ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُنْبِئٌ نَاظِرٌ إلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لَهُ، وَقَوْلُهُ فَكَأَنَّهُ دُعَاءٌ فِي حَالِ الْحَيَاةِ بِالْإِيمَانِ هُوَ مَعْنَى الْإِسْلَامِ الشَّرْعِيِّ، وَقَوْلُهُ وَالِانْقِيَادُ أَيْ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْإِسْلَامِ اللُّغَوِيِّ. اهـ. ح؛ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مَأْخُوذٌ مِنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِسْلَامَ خُصَّ بِحَالَةِ الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لَهَا بِمَعْنَيَيْهِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الْإِيمَانُ: أَيْ التَّصْدِيقُ الْقَلْبِيُّ، وَاللُّغَوِيِّ، وَهُوَ الِانْقِيَادُ بِالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ، وَخُصَّ الْإِيمَانُ بِحَالَةِ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لَهَا؛ إذْ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْعَمَلِ بَلْ عَنْ التَّصْدِيقِ فَقَطْ، وَلَا يُمْكِنُ فِي حَالَةِ الْمَوْتِ سِوَاهُ (قَوْلُهُ: بِلَا دُعَاءٍ) هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَقُولُ: اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً إلَخْ، وَقِيلَ - رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا إلَخْ، وَقِيلَ يُخَيَّرُ بَيْنَ السُّكُوتِ وَالدُّعَاءِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ نَاوِيًا الْمَيِّتَ مَعَ الْقَوْمِ) كَذَا فِي الْفَتْحِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: يَنْوِي بِهِمَا كَمَا وَصَفْنَا فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَيَنْوِي الْمَيِّتَ كَمَا يَنْوِي الْإِمَامُ اهـ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَنْوِي الْمَلَائِكَةَ الْحَفَظَةَ أَيْضًا، ثُمَّ رَأَيْته صَرِيحًا فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ. وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَالْجَوْهَرَةِ أَنَّهُ لَا يَنْوِي الْمَيِّتَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُخَاطَبُ بِالسَّلَامِ حَتَّى يُنْوَى بِهِ إذْ لَيْسَ أَهْلًا لَهُ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ، لَكِنْ قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: إنَّهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، وَسَيَأْتِي مَا وَرَدَ فِي أَهْلِ الْمَقْبَرَةِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَتَعْلِيمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّلَامَ عَلَى الْمَوْتَى اهـ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: إنَّ الزَّيْلَعِيَّ لَمْ يُرِدْ دُخُولَ التَّسْلِيمِ فِي الْكُلِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ. وَاَلَّذِي فِي الْبَدَائِعِ: وَلَا يَجْهَرُ بِمَا يَقْرَأُ عَقِبَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ، وَالسُّنَّةُ فِيهِ الْمُخَافَتَةُ، وَهَلْ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّسْلِيمِ؛ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَذَكَرَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ لِأَنَّهُ لِلْإِعْلَامِ، وَلَا حَاجَةَ لَهُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ مَشْرُوعٌ عَقِبَ التَّكْبِيرِ بِلَا فَصْلٍ وَلَكِنْ الْعَمَلُ فِي زَمَانِنَا عَلَى خِلَافِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَعَيَّنَ الشَّافِعِيُّ الْفَاتِحَةَ) وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَجَهَرَ بِالْفَاتِحَةِ، وَقَالَ: عَمْدًا فَعَلْت لِيُعْلِمَ أَنَّهَا سُنَّةٌ. وَمَذْهَبُنَا قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِهِ وَعَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ بِنِيَّةِ الدُّعَاءِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute