(وَإِذَا اجْتَمَعَتْ الْجَنَائِزُ فَإِفْرَادُ الصَّلَاةِ) عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ
ــ
[رد المحتار]
فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: إنْ جَاءَ بَعْدَ مَا كَبَّرَ الرَّابِعَةَ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُكَبِّرُ، فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَضَى ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ. وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ.
قُلْت: وَذَكَرَ أَيْضًا فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، لَكِنْ مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمَتْنِ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ الصَّحِيحُ، وَمِثْلُهُ فِي الدُّرَرِ وَشَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ وَنُورِ الْإِيضَاحِ، نَعَمْ نَقَلَ فِي الْإِمْدَادِ عَنْ التَّجْنِيسِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة أَنَّ ذَلِكَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، قَالَ: فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ. [تَنْبِيهٌ]
هَذَا كُلُّهُ فِي الْمَسْبُوقِ، وَأَمَّا الْحَاضِرُ وَقْتَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ، وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ كَالْبَدَائِعِ إلَى أَنَّهُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَبِهِ صَرَّحَ فِي النَّهْرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُجْتَبَى الَّتِي قَدَّمْنَاهَا. لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ لَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ أَرْبَعًا، وَالرَّجُلُ حَاضِرٌ، فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ مَا لَمْ يُسَلِّمْ الْإِمَامُ وَيَقْضِي الثَّلَاثَ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ وَقَدْ فَاتَتْهُ اهـ.
أَقُولُ: لَكِنْ الْمَفْهُومُ مِنْ غَالِبِ عِبَارَاتِهِمْ أَنَّ عَدَمَ فَوَاتِ الصَّلَاةِ فِي الْحَاضِرِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَصَاحِبَيْهِ وَأَنَّ الْفَوَاتَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَنَّ الْمُفْتَى بِهِ عَدَمُ الْفَوَاتِ، وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ، لِمَا مَرَّ مِنْ تَقْرِيرِ أَقْوَالِهِمْ: أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ عِنْدَهُ لَا تَفُوتُهُ الصَّلَاةُ فَالْحَاضِرُ بِالْأَوْلَى. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّ الْحَاضِرَ بِمَنْزِلَةِ الْمُدْرِكِ عِنْدَهُمَا، وَهَذَا حَاضِرٌ وَقْتَ الرَّابِعَةِ فَيُكَبِّرُهَا قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ ثُمَّ يَقْضِي الثَّلَاثَ لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا، وَحِينَئِذٍ فَمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ قَوْلِهِ: وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمَا بِخِلَافِهِ، بَلْ قَوْلُهُمَا كَقَوْلِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَابَلَهُ بِرِوَايَةِ الْحَسَنِ فَقَطْ، وَإِلَّا كَانَ الْمُنَاسِبُ مُقَابَلَتَهُ بِقَوْلِهِمَا، وَلِذَا لَمْ يَعْزُهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة وَغَايَةِ الْبَيَانِ إلَى أَبِي يُوسُفَ، بَلْ أَطْلَقُوهُ وَقَابَلُوهُ بِرِوَايَةِ الْحَسَنِ بَلْ زَادَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَدْخُلُ مَعَهُ فَأَفَادَ أَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ كَقَوْلِهِمَا، وَأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ فَقَطْ.
[تَنْبِيهٌ]
نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عِبَارَةَ الْمُحِيطِ السَّابِقَةَ، ثُمَّ قَالَ: فَمَا فِي الْحَقَائِقِ مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّمَا هُوَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَاضِرِ لَا الْمَسْبُوقِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ إذَا كَانَ حَاضِرًا، وَلَمْ يُكَبِّرْ حَتَّى كَبَّرَ الْإِمَامُ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَسْبُوقٌ وَحُضُورُهُ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ لَا يَجْعَلُهُ مُدْرِكًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَمَسْأَلَةِ الْمَسْبُوقِ، وَأَنْ يَكُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَاضِرِ وَغَيْرِهِ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى فَقَطْ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ.
وَأَقُولُ: إنَّ مَا فِي الْحَقَائِقِ مَحْمُولٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمَسْبُوقِ، لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمُخَالِفَ فِيهَا أَبُو يُوسُفَ، وَأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْحَاضِرِ فَإِنَّهَا وِفَاقِيَّةٌ كَمَا عَلِمْته. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ إلَخْ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا تَحَقُّقَ لِمَسْأَلَةِ الْحَاضِرِ إلَّا فِيمَنْ حَضَرَ وَقْتَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى فَكَبَّرَهَا قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ. أَمَّا لَوْ تَشَاغَلَ حَتَّى كَبَّرَ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ أَوْ أَكْثَرَ فَهُوَ مَسْبُوقٌ لَا حَاضِرٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ حَاضِرًا حَتَّى كَبَّرَ الْإِمَامُ تَكْبِيرَتَيْنِ مَثَلًا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلثَّانِيَةِ فَلَهُ أَنْ يُكَبِّرَهَا قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ الْإِمَامُ الثَّالِثَةَ وَيَكُونَ مَسْبُوقًا بِالْأُولَى فَيَأْتِيَ بِهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَسَبْقُهُ بِهَا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ حَاضِرًا فِي غَيْرِهَا، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ مِنْ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُكَبِّرْ الْحَاضِرُ حَتَّى كَبَّرَ الْإِمَامُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute