(وَمَنْ وُلِدَ فَمَاتَ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ) وَيَرِثُ وَيُورَثُ وَيُسَمَّى (إنْ اسْتَهَلَّ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ: أَيْ وُجِدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى حَيَاتِهِ بَعْدَ خُرُوجِ أَكْثَرِهِ، حَتَّى لَوْ خَرَجَ رَأْسُهُ فَقَطْ وَهُوَ يَصِيحُ فَذَبَحَهُ رَجُلٌ فَعَلَيْهِ الْغُرَّةُ، وَإِنْ قَطَعَ أُذُنَهُ فَخَرَجَ حَيًّا فَمَاتَ
ــ
[رد المحتار]
وَإِذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ، فَيَنْبَغِي الْإِفْتَاءُ بِالْقَوْلِ بِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا اخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ، وَإِذَا كَانَ مَا ذَكَرْنَاهُ عُذْرًا فَلَا كَرَاهَةَ أَصْلًا، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ
(قَوْلُهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ) أَيْ وَيُكَفَّنُ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ لِعِلْمِهِ مِمَّا ذَكَرَهُ لِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: إنْ اسْتَهَلَّ) لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ التَّسَامُحِ بِهِ لِأَنَّ تَرْتِيبَهُ الْمَوْتَ عَلَى الْوِلَادَةِ أَيْ فِي قَوْلِهِ قَبْلَهُ: فَمَاتَ مُفِيدٌ لِلْحَيَاةِ قَبْلَهُ فَلَا يَحْسُنُ التَّفْصِيلُ بَعْدَهُ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ كَالْكَنْزِ: وَمَنْ اسْتَهَلَّ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَا شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ) لِأَنَّ أَصْلَ الْإِهْلَالِ وَالِاسْتِهْلَالِ: رَفْعُ الصَّوْتِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَعَلَى رَفْعِ الصَّوْتِ مُطْلَقًا، وَمِنْهُ أَهَلَّ الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ: أَيْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ، وَاسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ: إذَا رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْبُكَاءِ عِنْدَ وِلَادَتِهِ. وَأَمَّا الْمَبْنِيُّ لِلْمَجْهُولِ فَيُقَالُ اُسْتُهِلَّ الْهِلَالُ: أَيْ أُبْصِرَ، كَذَا يُفَادُ مِنْ الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ أَيْ وُجِدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى حَيَاتِهِ) أَيْ مِنْ بُكَاءٍ أَوْ تَحْرِيكِ عُضْوٍ أَوْ طَرَفٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ بَدَائِعُ، وَهَذَا مَعْنَاهُ فِي الشَّرْعِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: يَعْنِي الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ، وَلَا عِبْرَةَ لِانْقِبَاضِ وَبَسْطِ الْيَدِ وَقَبْضِهَا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ حَرَكَةُ الْمَذْبُوحِ وَلَا عِبْرَةَ بِهَا، حَتَّى لَوْ ذُبِحَ رَجُلٌ فَمَاتَ أَبُوهُ، وَهُوَ يَتَحَرَّكُ لَمْ يَرِثْهُ الْمَذْبُوحُ لِأَنَّ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حُكْمَ الْمَيِّتِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. اهـ.
أَقُولُ: وَمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ مَشَى عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالزَّيْلَعِيِّ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ تَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ]
قَالَ فِي الْبَدَائِعِ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ شَهِدَتْ الْقَابِلَةُ أَوْ الْأُمُّ عَلَى الِاسْتِهْلَالِ تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ فِي الدِّيَانَاتِ مَقْبُولٌ إذَا كَانَ عَدْلًا، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْأُمِّ لِكَوْنِهَا مُتَّهَمَةً بِجَرِّهَا الْمَغْنَمَ إلَى نَفْسِهَا وَكَذَا شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: تُقْبَلُ إذَا كَانَتْ عَدْلَةٌ. اهـ. وَظَاهِرُهُ اشْتِرَاطُ نِصَابِ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ فِي الْمِيرَاثِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى بِلَفْظِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ بَعْدَ خُرُوجِ أَكْثَرِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِوُجِدَ، فَلَوْ خَرَجَ رَأْسُهُ وَهُوَ يَصِيحُ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَرِثْ، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَخْرُجْ أَكْثَرُ بَدَنِهِ حَيًّا بَحْرٌ عَنْ الْمُبْتَغَى. وُجِدَ الْأَكْثَرُ مِنْ قِبَلِ الرَّجُلِ سُرَّتُهُ، وَمِنْ قِبَلِ الرَّأْسِ صَدْرُهُ نَهْرٌ عَنْ مُنْيَةِ الْمُفْتِي (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ خَرَجَ إلَخْ) أَيْ فَلَوْ اعْتَبَرَ حَيَاتَهُ عِنْدَ خُرُوجِ الْأَقَلِّ مِنْ النِّصْفِ لَكَانَ الْوَاجِبُ الدِّيَةَ؛ فَإِيجَابُ الْغُرَّةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْخُرُوجَ كَعَدَمِهِ، فَإِنَّ الْغُرَّةَ إنَّمَا تَجِبُ فِيمَنْ ضَرَبَ بَطْنَ الْحَامِلِ حَتَّى أَسْقَطَتْهُ مَيِّتًا فَذَبْحُهُ قَبْلَ خُرُوجِ أَكْثَرِهِ فِي حُكْمِ ضَرْبِهِ، وَهُوَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، بِخِلَافِ ذَبْحِهِ بَعْدَ خُرُوجِ أَكْثَرِهِ فَإِنَّهُ مُوجِبٌ لِلْقَوَدِ، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ صِحَّةُ التَّفْرِيعِ، وَبَطَلَ التَّشْنِيعُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ الْغُرَّةُ) هِيَ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الرَّجُلِ لَوْ الْجَنِينُ ذَكَرًا، وَعُشْرُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ لَوْ أُنْثَى، وَكُلٌّ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَهِيَ خَمْسُونَ دِينَارًا كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ.
هَذَا، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ، لَكِنْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ فِي أَوَائِلِ فَصْلِ مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ عَنْ الْمُجْتَبَى والتتارخانية أَنَّ عَلَيْهِ الدِّيَةَ، لَكِنْ مَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا يُؤَيِّدُ مَا هُنَا، أَوْ يُرَادُ بِالدِّيَةِ الْغُرَّةُ فَتَأَمَّلْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute