للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي غَيْرِ دَارٍ (مِقْدَارَ نِصْفِ قَامَةٍ) فَإِنْ زَادَ فَحَسَنٌ (وَيُلْحَدُ وَلَا يُشَقُّ) إلَّا فِي أَرْضٍ رَخْوَةٍ (وَلَا) يَجُوزُ أَنْ (يُوضَعَ فِيهِ مُضْرِبَةٌ) وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ فَغَيْرُ مَشْهُورٍ لَا يُؤْخَذُ بِهِ ظَهِيرِيَّةٌ (وَلَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِ تَابُوتٍ)

ــ

[رد المحتار]

قُلْت: لَكِنْ فِي هَذَا مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ، فَالْأَوْلَى إنَاطَةُ الْجَوَازِ بِالْبِلَى إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَدَّ لِكُلِّ مَيِّتٍ قَبْرٌ لَا يُدْفَنُ فِيهِ غَيْرُهُ، وَإِنْ صَارَ الْأَوَّلُ تُرَابًا لَا سِيَّمَا فِي الْأَمْصَارِ الْكَبِيرَةِ الْجَامِعَةِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ تَعُمَّ الْقُبُورُ السَّهْلَ وَالْوَعْرَ، عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْحَفْرِ إلَى أَنْ يَبْقَى عَظْمٌ عَسِرٌ جِدًّا وَإِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ لِبَعْضِ النَّاسِ، لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي جَعْلِهِ حُكْمًا عَامًّا لِكُلِّ أَحَدٍ فَتَأَمَّلْ.

[تَتِمَّةٌ]

قَالَ فِي الْأَحْكَامِ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يُقْبَرَ الْمُسْلِمُ فِي مَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ عَلَامَاتِهِمْ شَيْءٌ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى، وَإِنْ بَقِيَ مِنْ عِظَامِهِمْ شَيْءٌ تُنْبَشُ وَتُرْفَعُ الْآثَارُ وَتُتَّخَذُ مَسْجِدًا، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ مَسْجِدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ قَبْلُ مَقْبَرَةَ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ» كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ دَارٍ) يُغْنِي عَنْهُ مَا يَأْتِي مَتْنًا (قَوْلُهُ مِقْدَارُ نِصْفِ قَامَةٍ إلَخْ) أَوْ إلَى حَدِّ الصَّدْرِ، وَإِنْ زَادَ إلَى مِقْدَارِ قَامَةٍ فَهُوَ أَحْسَنُ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْأَدْنَى نِصْفُ الْقَامَةِ وَالْأَعْلَى الْقَامَةُ، وَمَا بَيْنَهُمَا شَرْحُ الْمُنْيَةِ، وَهَذَا حَدُّ الْعُمْقِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمُبَالَغَةُ فِي مَنْعِ الرَّائِحَةِ وَنَبْشِ السِّبَاعِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَطُولُهُ عَلَى قَدْرِ طُولِ الْمَيِّتِ، وَعَرْضُهُ عَلَى قَدْرِ نِصْفِ طُولِهِ (قَوْلُهُ: وَيُلْحَدُ) لِأَنَّهُ السُّنَّةُ وَصِفَتُهُ أَنْ يُحْفَرَ الْقَبْرُ ثُمَّ يُحْفَرَ فِي جَانِبِ الْقِبْلَةِ مِنْهُ حَفِيرَةٌ فَيُوضَعُ فِيهَا الْمَيِّتُ وَيُجْعَلُ ذَلِكَ كَالْبَيْتِ الْمُسْقَفِ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُشَقُّ) وَصِفَتُهُ أَنْ يُحْفَرَ فِي وَسَطِ الْقَبْرِ حَفِيرَةٌ فَيُوضَعُ فِيهَا الْمَيِّتُ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ إلَّا فِي أَرْضٍ رَخْوَةٍ) فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الشِّقِّ وَاِتِّخَاذِ تَابُوتٍ ط عَنْ الدُّرِّ الْمُنْتَقَى، وَمِثْلُهُ فِي النَّهْرِ.

وَمُقْتَضَى الْمُقَابَلَةِ أَنَّهُ يُلْحَدُ وَيُوضَعُ التَّابُوتُ فِي اللَّحْدِ لِأَنَّ الْعُدُولَ إلَى الشِّقِّ لِخَوْفِ انْهِيَارِ اللَّحْدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ، فَإِذَا وُضِعَ التَّابُوتُ فِي اللَّحْدِ أُمِنَ انْهِيَارُهُ عَلَى الْمَيِّتِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ حَفْرُ اللَّحْدِ تَعَيَّنَ الشَّقُّ، وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّابُوتِ، إلَّا إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ نَدِيَّةً يُسْرِعُ فِيهَا بِلَى الْمَيِّتِ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الْغَايَةِ: وَيَكُونُ التَّابُوتُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ رَخْوَةً أَوْ نَدِيَّةً مَعَ كَوْنِ التَّابُوتِ فِي غَيْرِهَا مَكْرُوهًا فِي قَوْلِ الْعُلَمَاءِ قَاطِبَةً. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: يُوضَعُ التَّابُوتُ فِي الشِّقِّ إذَا لَمْ يَكُنْ فَوْقَهُ بِنَاءٌ لِئَلَّا يُرْمَسَ الْمَيِّتُ فِي التُّرَابِ، أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ سَقْفٌ أَوْ بِنَاءٌ مَعْقُودٌ فَوْقَهُ كَقُبُورِ بِلَادِنَا وَلَمْ تَكُنْ الْأَرْضُ نَدِيَّةً وَلَمْ يُلْحَدْ فَيُكْرَهُ التَّابُوتُ (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ إلَخْ) أَيْ يُكْرَهُ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُوضَعَ تَحْتَ الْمَيِّتِ فِي الْقَبْرِ مِضْرَبَةٌ أَوْ مِخَدَّةٌ أَوْ حَصِيرٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ اهـ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ إتْلَافُ مَالٍ بِلَا ضَرُورَةٍ، فَالْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةٌ، وَلِذَا عَبَّرَ بِلَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ) يَعْنِي مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ نَهْرٌ.

ثُمَّ إنَّ الشَّارِحَ تَبِعَ فِي ذَلِكَ الْمُصَنِّفَ فِي مِنَحِهِ. وَاَلَّذِي وَجَدْته فِي الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ عَائِشَةَ، وَكَذَا عَزَاهُ إلَى الظَّهِيرِيَّةِ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ جُعِلَ فِي قَبْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَطِيفَةٌ» ، قِيلَ لِأَنَّ الْمَدِينَةَ سَبِخَةٌ، وَقِيلَ إنَّ الْعَبَّاسَ وَعَلِيًّا تَنَازَعَاهَا فَبَسَطَهَا شُقْرَانُ تَحْتَهُ لِقَطْعِ التَّنَازُعِ، وَقِيلَ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَلْبَسُهَا وَيَفْتَرِشُهَا، فَقَالَ شُقْرَانُ: وَاَللَّهِ لَا يَلْبَسُك أَحَدٌ بَعْدَهُ أَبَدًا فَأَلْقَاهَا فِي الْقَبْرِ» (قَوْلُهُ فَغَيْرُ مَشْهُورٍ) أَيْ غَيْرُ ثَابِتٍ عَنْهُ، أَوْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَهِرْ عَنْهُ فِعْلُهُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ لِيَكُونَ إجْمَاعًا مِنْهُمْ، بَلْ ثَبَتَ عَنْ غَيْرِهِ خِلَافُهُ. فَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَكَرِهَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنْ يُلْقَى تَحْتَ الْمَيِّتِ شَيْءٌ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَعَنْ أَبِي مُوسَى «لَا تَجْعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَ الْأَرْضِ شَيْئًا» . اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِ تَابُوتٍ إلَخْ) أَيْ يُرَخَّصُ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَإِلَّا كُرِهَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا.

قَالَ فِي الْحِلْيَةِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>