للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غُسْلَ حَنْظَلَةَ لِحُصُولِهِ بِفِعْلِ الْمَلَائِكَةِ» ، بِدَلِيلِ قِصَّةِ آدَمَ (قُتِلَ ظُلْمًا) بِغَيْرِ حَقٍّ (بِجَارِحَةٍ) أَيْ بِمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ (وَلَمْ يَجِبْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ مَالٌ) بَلْ قِصَاصٌ، حَتَّى لَوْ وَجَبَ الْمَالُ بِعَارِضٍ كَالصُّلْحِ

ــ

[رد المحتار]

جُنُبٌ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: لِذَلِكَ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ» .

وَأَوْرَدَ الصَّاحِبَانِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَوَجَبَ عَلَى بَنَى آدَمَ وَلَمَا اُكْتُفِيَ بِفِعْلِ الْمَلَائِكَةِ. وَالْجَوَابُ بِالْمَنْعِ وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِفِعْلِهِمْ بِدَلِيلِ قِصَّةِ آدَمَ الْمَارَّةِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ نَفْسُ الْغُسْلِ، فَأَمَّا الْغَاسِلُ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَيًّا كَانَ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ هَذَا الْغُسْلَ عِنْدَهُ لِلْجَنَابَةِ لَا لِلْمَوْتِ اهـ أَيْ وَإِذَا كَانَ لِلْجَنَابَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ لِذَلِكَ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ لَمْ يَحْسُنْ الِاسْتِدْلَال بِقِصَّةِ الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّ تَغْسِيلَهُمْ لِآدَمَ كَانَ لِلْمَوْتِ لَا لِلْجَنَابَةِ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ إذَا وَجَبَ لِلْجَنَابَةِ كَانَ كَوُجُوبِهِ لِلْمَوْتِ، فَدَلَّتْ الْقِصَّةُ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِفِعْلِ الْمَلَائِكَةِ لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ الْغُسْلِ أَنَّ الْمَيِّتَ لَوْ وُجِدَ فِي الْمَاءِ لَا بُدَّ مِنْ تَغْسِيلِهِ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِهِ، فَيُحَرِّكُهُ فِي الْمَاءِ بِنِيَّتِهِ لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ عَنْ ذِمَّةِ الْمُكَلَّفِينَ لَا لِطَهَارَتِهِ؛ فَلَوْ صَلَّى عَلَيْهِ بِلَا إعَادَةٍ لِغُسْلِهِ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُمْ الْوُجُوبُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِفِعْلِ الْمَلَائِكَةِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ إذَا لَمْ يُغَسِّلْهُ غَيْرُهُمْ لِقِيَامِ فِعْلِهِ مَقَامَ فِعْلِهِمْ.

وَلِذَا صَحَّ تَغْسِيلُ الذِّمِّيِّ أَوْ الصَّبِيِّ لِمُسْلِمٍ مَاتَ بَيْنَ نِسَاءٍ لَيْسَ مَعَهُنَّ سِوَاهُمَا كَمَا مَرَّ. عَلَى أَنَّ فِعْلَ الْمَلَائِكَةِ بِإِذْنٍ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى، فَهُوَ إذْنٌ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ بِالِاكْتِفَاءِ عَنْ فِعْلِ الْمُكَلَّفِينَ، وَلَا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِتَكْلِيفِهِمْ، وَبَعْثِهِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَيْهِمْ، وَالْقِصَّةُ وَالْحَدِيثُ دَلِيلَانِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِفِعْلِهِمْ. وَأَمَّا وُقُوعُهُ فِي الْمَاءِ فَلَيْسَ فِيهِ تَغْسِيلٌ مِنْ أَحَدٍ فَلَمْ يَسْقُطْ الْفَرْضُ عَنْهُمْ، وَإِنْ حَصَلَتْ الطَّهَارَةُ كَمَا لَوْ غَسَّلَهُ مُكَلَّفٌ بِلَا نِيَّةٍ فَإِنَّهُ يُجْزِي لِطَهَارَتِهِ لَا لِإِسْقَاطِهِ الْفَرْضَ عَنْ ذِمَّتِنَا فَتَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ الْفَرْضُ عَنَّا؛ فَلِذَا وَجَبَ إعَادَةُ غُسْلِ الْغَرِيقِ أَوْ تَحْرِيكُهُ عِنْدَ إخْرَاجِهِ بِنِيَّةِ الْغُسْلِ فَيَكُونُ فِعْلًا مِنَّا فَيَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ عَنَّا؛ إذْ بِدُونِهِ لَمْ يَحْصُلْ فِعْلٌ مِنَّا، وَلَا مِمَّنْ نَابَ عَنَّا، فَاتَّضَحَ الْفَرْقُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَاغْتَنِمْهُ فَإِنَّهُ نَفِيسٌ (قَوْلُهُ: قُتِلَ ظُلْمًا) لَمْ يَقُلْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ كَمَا فِي الْكَنْزِ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ كَذَلِكَ.

وَقَيَّدَ بِالْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ بِتَرَدٍّ أَوْ حَرْقٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ هَدْمٍ لَمْ يَكُنْ شَهِيدًا فِي حُكْمِ الدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَ شَهِيدًا فِي الْآخِرَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَبِقَوْلِهِ ظُلْمًا لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ قُتِلَ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ مَثَلًا لَا يَكُونُ شَهِيدًا فَيُغَسَّلُ، وَدَخَلَ فِيهِ الْمَقْتُولُ مُدَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ شَهِيدٌ، لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ قَتْلِهِ بِمُحَدَّدٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ، وَاسْتَشْكَلَهُ فِي النَّهْرِ، وَيَأْتِي جَوَابُهُ (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ حَقٍّ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ ظُلْمًا (قَوْلُهُ بِجَارِحَةٍ) أَيْ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا فِي النِّهَايَةِ، وَهَذَا قَيْدٌ فِي غَيْرِ مَنْ قَتَلَهُ بَاغٍ أَوْ حَرْبِيٌّ أَوْ قَاطِعُ طَرِيقٍ بِقَرِينَةِ الْعَطْفِ الْآتِي، وَاحْتُرِزَ بِهَا عَنْ الْمَقْتُولِ بِمُثْقَلٍ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ: أَيْ بِمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ) أَيْ فَالْمُرَادُ بِهَا مَا يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ، فَيَدْخُلُ فِيهِ النَّارُ وَالْقَصَبُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: بَلْ قِصَاصٌ) أَيْ بَلْ وَجَبَ بِهِ قِصَاصٌ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَنْ عُلِمَ قَاتِلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ؛ إذْ لَا قِصَاصَ إلَّا عَلَى قَاتِلٍ مَعْلُومٍ، خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الدُّرَرِ.

أَمَّا إذَا لَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ فَسَيَأْتِي أَنَّهُ يُغَسَّلُ، لَكِنْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ أَوْ لَمْ يَجِبْ بِهِ شَيْءٌ أَصْلًا كَقَتْلِ الْأَسِيرِ مِثْلَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَتْلِ السَّيِّدِ عَبْدَهُ عِنْدَ الْكُلِّ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ وَجَبَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ بِنَفْسِ الْقَتْلِ، فَإِنَّ الْمَالَ لَمْ يَجِبْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِهِ الْقِصَاصُ، وَإِنَّمَا سَقَطَ بِعَارِضٍ وَهُوَ الصُّلْحُ أَوْ شُبْهَةُ الْأُبُوَّةِ، فَلَا يُغَسَّلُ فِي الرِّوَايَةِ الْمُخْتَارَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>