أَوْ قَتَلَ الْأَبُ ابْنَهُ لَا تَسْقُطُ الشَّهَادَةُ (وَلَمْ يَرْتَثَّ) فَلَوْ ارْتَثَّ غُسِّلَ كَمَا سَيَجِيءُ (وَكَذَا) يَكُونُ شَهِيدًا (لَوْ قَتَلَهُ بَاغٍ أَوْ حَرْبِيٌّ أَوْ قَاطِعُ طَرِيقٍ وَلَوْ) تَسَبُّبًا أَوْ (بِغَيْرِ آلَةٍ جَارِحَةٍ) فَإِنَّ مَقْتُولَهُمْ شَهِيدٌ بِأَيِّ آلَةٍ قَتَلُوهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ شُهَدَاءُ أُحُدٍ وَلَمْ يَكُنْ كُلُّهُمْ قَتِيلَ سِلَاحٍ (أَوْ وُجِدَ جَرِيحًا مَيِّتًا فِي مَعْرَكَتِهِمْ) الْمُرَادُ بِالْجِرَاحَةِ عَلَامَةُ الْقَتْلِ؛ كَخُرُوجِ الدَّمِ مِنْ
ــ
[رد المحتار]
فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا وَجَبَ بِقَتْلِهِ الْقِصَاصُ وَإِنْ سَقَطَ لِعَارِضٍ أَوْ لَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِ شَيْءٌ أَصْلًا فَهُوَ شَهِيدٌ كَمَا عَلِمْته. أَمَّا إذَا وَجَبَ بِهِ الْمَالُ ابْتِدَاءً فَلَا؛ وَذَلِكَ بِأَنْ كَانَ قَتْلُهُ شِبْهَ الْعَمْدِ كَضَرْبٍ بِعَصًا، أَوْ خَطَإٍ كَرَمْيِ غَرَضٍ فَأَصَابَهُ أَوْ مَا جَرَى مَجْرَاهُ كَسُقُوطِ نَائِمٍ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا وَجَبَ بِهِ الْقَسَامَةُ لِوُجُوبِ الْمَالِ بِنَفْسِ الْقَتْلِ شَرْعًا.
وَكَذَا لَوْ وُجِدَ مَذْبُوحًا وَلَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ سَوَاءٌ وَجَبَتْ فِيهِ الْقَسَامَةُ أَوْ لَا هُوَ الصَّحِيحُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ ظُلْمًا كَمَا سَيَأْتِي، وَهُوَ الَّذِي حَقَّقَهُ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْقُهُسْتَانِيِّ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ قَتَلَ الْأَبَ ابْنُهُ) أَوْ قَتَلَهُ شَخْصٌ آخَرُ يَرِثُهُ الِابْنُ بَحْرٌ، كَمَا إذَا قَتَلَ زَوْجَتَهُ، وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ فَإِنَّ الْوَلَدَ اسْتَحَقَّ الْقِصَاصَ عَلَى أَبِيهِ فَيَسْقُطُ لِلْأُبُوَّةِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُرْتَثَّ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَلَّثَةِ آخِرَهُ، أَشَارَ إلَى أَنَّ شَرْطَ عَدَمِ الِارْتِثَاثِ لَيْسَ خَاصًّا بِشَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ، وَلِذَا لَمَّا قُتِلَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ غُسِّلَا لِأَنَّهُمَا ارْتَثَّا وَعُثْمَانُ أُجْهِزَ عَلَيْهِ فِي مَصْرَعِهِ وَلَمْ يُرْتَثَّ فَلَمْ يُغَسَّلْ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَسَيَجِيءُ بَيَانُ الِارْتِثَاثُ (قَوْلُهُ: وَكَذَا يَكُونُ شَهِيدًا إلَخْ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُرْتَثَّ أَيْضًا (قَوْلُهُ: أَوْ قَاطِعُ طَرِيقٍ) وَالْمُكَابِرُونَ فِي الْمِصْرِ لَيْلًا بِمَنْزِلَةِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ، فَمَنْ قَتَلَهُ وَلَوْ بِغَيْرِ مُحَدَّدٍ فَهُوَ شَهِيدٌ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ الْقُطَّاعُ؛ وَكَذَا مَنْ قَتَلَهُ اللُّصُوصُ لَيْلًا كَمَا سَيَأْتِي. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ زَادَ فِي الْمُحِيطِ سَبَبًا رَابِعًا وَهُوَ مَنْ قُتِلَ مُدَافِعًا وَلَوْ عَنْ ذِمِّيٍّ فَإِنَّهُ شَهِيدٌ بِأَيِّ آلَةٍ قُتِلَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدًا مِنْ الثَّلَاثَةِ أَيْ مِمَّنْ قَتَلَهُ بَاغٍ أَوْ حَرْبِيٌّ أَوْ قَاطِعُ طَرِيقٍ، وَقَالَ فِي النَّهْرِ: كَوْنُهُ شَهِيدًا، وَإِنْ قُتِلَ بِغَيْرِ مُحَدَّدٍ مُشْكِلٌ جِدًّا لِوُجُوبِ الدِّيَةِ بِقَتْلِهِ، فَتَدَبَّرْهُ مُمْعِنًا النَّظَرَ فِيهِ. اهـ.
قُلْت: يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ عَيْنًا، كَمَا لَوْ خَرَجَ عَلَيْهِ قُطَّاعُ طَرِيقٍ أَوْ لُصُوصٌ أَوْ نَحْوُهُمْ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى إذَا الْتَقَتْ سَرِيَّتَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ تَرَى أَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ فَأَجْلَوْا عَنْ قَتْلَى مِنْ الْفَرِيقَيْنِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا دِيَةَ عَلَى أَحَدٍ وَلَا كَفَّارَةَ لِأَنَّهُمْ دَافَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْغُسْلِ. وَيَجِبُ أَنْ يُغَسَّلُوا لِأَنَّ قَاتِلَهُمْ لَمْ يَظْلِمْهُمْ اهـ. وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ إحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ ظَالِمَةً لِلْأُخْرَى، بِأَنْ عَلِمُوا حَالَهُمْ لَا يُغَسَّلُ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْأُخْرَى، وَإِنْ جُهِلَ قَاتِلُهُ عَيْنًا لِكَوْنِهِ مُدَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ وَجَمَاعَتِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَسَبُّبًا) لِأَنَّ مَوْتَهُ يَكُونُ مُضَافًا إلَيْهِمْ، فَلَوْ أَوْطَئُوا دَابَّتَهُمْ مُسْلِمًا، أَوْ نَفَرُوا دَابَّةَ مُسْلِمٍ فَرَمَتْهُ، أَوْ رَمَوْا نَارًا فِي سَفِينَةٍ فَاحْتَرَقَتْ وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ فَهُوَ شَهِيدٌ.
أَمَّا لَوْ قُتِلَ بِانْفِلَاتِ دَابَّةِ مُشْرِكٍ لَيْسَ عَلَيْهَا أَحَدٌ أَوْ دَابَّةِ مُسْلِمٍ أَوْ بِرَمْيِنَا إلَيْهِمْ فَأَصَابَهُ أَوْ نَفَرَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ فَأَلْجَئُوهُمْ إلَى خَنْدَقٍ أَوْ نَارٍ أَوْ نَحْوِهِ فَمَاتَ لَمْ يَكُنْ شَهِيدًا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ فِعْلَهُ يَقْطَعُ النِّسْبَةَ إلَيْهِمْ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ الْمُرَادُ بِالْجِرَاحَةِ عَلَامَةُ الْقَتْلِ) لِيَشْمَلَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجِرَاحَةِ الْبَاطِنَةِ، وَمَا لَيْسَ بِجِرَاحَةٍ أَصْلًا كَخَنْقٍ وَكَسْرِ عُضْوٍ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى قَوْلُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَوْ وُجِدَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَبِهِ أَثَرٌ. اهـ. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرٌ أَصْلًا لَا يَكُونُ شَهِيدًا، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لِشِدَّةِ خَوْفِهِ انْخَلَعَ قَلْبُهُ فَتْحٌ: أَيْ فَلَمْ يَكُنْ بِفِعْلٍ مُضَافٍ إلَى الْعَدُوِّ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: كَخُرُوجِ الدَّمِ إلَخْ) أَيْ إنْ كَانَ الدَّمُ يَخْرُجُ مِنْ مَخَارِقِهِ يُنْظَرُ، إنْ كَانَ مَوْضِعًا يَخْرُجُ مِنْهُ الدَّمُ مِنْ غَيْرِ آفَةٍ فِي الْبَاطِنِ كَالْأَنْفِ وَالذَّكَرِ وَالدُّبُرِ لَمْ يَكُنْ شَهِيدًا لِأَنَّ الْمَرْءَ قَدْ يُبْتَلَى بِالرُّعَافِ، وَقَدْ يَبُولُ دَمًا لِشِدَّةِ الْفَزَعِ، وَقَدْ يَخْرُجُ الدَّمُ مِنْ الدُّبُرِ مِنْ غَيْرِ جُرْحٍ فِي الْبَاطِنِ فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي سُقُوطِ الْغُسْلِ فَلَا يَسْقُطُ بِالشَّكِّ، وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ أُذُنِهِ أَوْ عَيْنِهِ كَانَ شَهِيدًا لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا عَادَةً إلَّا لِآفَةٍ فِي الْبَاطِنِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ضُرِبَ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute