الْقَبْضِ فِي الْأَصَحِّ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ وَرِثَ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ (وَ) عِنْدَ قَبْضِ (مِائَتَيْنِ مَعَ حَوَلَانِ الْحَوْلِ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْقَبْضِ (مِنْ) دَيْنٍ ضَعِيفٍ وَهُوَ (بَدَلُ غَيْرِ مَالٍ) كَمَهْرٍ وَدِيَةٍ وَبَدَلِ كِتَابَةٍ وَخُلْعٍ، إلَّا إذَا كَانَ عِنْدَهُ مَا يُضَمُّ إلَى الدَّيْنِ الضَّعِيفِ
ــ
[رد المحتار]
تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ حَتَّى يَقْبِضَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَيُزَكِّيهَا. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَقْبِضَ وَيَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَالَ الزَّكَاةِ الْآنَ فَصَارَ كَالْحَادِثِ ابْتِدَاءً.
وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ بِالْإِقْدَامِ عَلَى الْبَيْعِ صَيَّرَهُ لِلتِّجَارَةِ فَصَارَ مَالَ الزَّكَاةِ قُبَيْلَ الْبَيْعِ اهـ مُلَخَّصًا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَبْنَى الِاخْتِلَافِ فِي الدَّيْنِ الْمُتَوَسِّطِ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَكُونُ مَالَ زَكَاةٍ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ قَبْلَهُ؟ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ حَوْلٍ بَعْدَ قَبْضِ النِّصَابِ.
وَعَلَى الثَّانِي ابْتِدَاءُ الْحَوْلِ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ، فَلَوْ لَهُ أَلْفٌ مِنْ دَيْنٍ مُتَوَسِّطٍ مَضَى عَلَيْهَا حَوْلٌ وَنِصْفٌ فَقَبَضَهَا يُزَكِّيهَا عَنْ الْحَوْلِ الْمَاضِي عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ، فَإِذَا مَضَى نِصْفُ حَوْلٍ بَعْدَ الْقَبْضِ زَكَّاهَا أَيْضًا. وَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ لَا يُزَكِّيهَا عَنْ الْمَاضِي وَلَا عَنْ الْحَالِ إلَّا بِمُضِيِّ حَوْلٍ جَدِيدٍ بَعْدَ الْقَبْضِ.
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَلْفُ مِنْ دَيْنٍ قَوِيٍّ كَبَدَلِ عُرُوضِ تِجَارَةٍ، فَإِنَّ ابْتِدَاءَ الْحَوْلِ هُوَ حَوْلُ الْأَصْلِ لَا مِنْ حِينِ الْبَيْعِ وَلَا مِنْ حِينِ الْقَبْضِ، فَإِذَا قَبَضَ مِنْهُ نِصَابًا أَوْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا زَكَّاهُ عَمَّا مَضَى بَانِيًا عَلَى حَوْلِ الْأَصْلِ؛ فَلَوْ مَلَك عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ بَعْدَ نِصْفِ حَوْلٍ بَاعَهُ ثُمَّ بَعْدَ حَوْلٍ وَنِصْفٍ قَبَضَ ثَمَنَهُ فَقَدْ تَمَّ عَلَيْهِ حَوْلَانِ فَيُزَكِّيهِمَا وَقْتَ الْقَبْضِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، فَمَا وَقَعَ لَلْمُحَشِّينَ هُنَا مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الدَّيْنِ الْقَوِيِّ وَالْمُتَوَسِّطِ وَأَنَّهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَا يُزَكِّي الْأَلْفَ ثَانِيًا إلَّا إذَا مَضَى حَوْلٌ مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ فَهُوَ خَطَأٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ فِي الْمُتَوَسِّطِ فَقَطْ وَلِأَنَّهُ عَلَيْهَا لَا يُزَكِّي أَوَّلًا لِلْحَوْلِ الْمَاضِي خِلَافًا لِمَا يُفْهِمُهُ لَفْظُ ثَانِيًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ فِي صَحِيحِ الرِّوَايَةِ.
قُلْت: لَكِنْ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: إنَّ رِوَايَةَ ابْنِ سِمَاعَةَ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَقْبِضَ الْمِائَتَيْنِ وَيَحُولَ الْحَوْلُ مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ هِيَ الْأَصَحُّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ وَمِثْلُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، عَلَيْهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الدَّيْنِ الضَّعِيفِ الْآتِي (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ مَا لَوْ وَرِثَ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ) أَيْ مِثْلَ الدَّيْنِ الْمُتَوَسِّطِ فِيمَا مَرَّ وَنِصَابُهُ مِنْ حِينِ وَرِثَهُ رَحْمَتِيٌّ، وَرُوِيَ أَنَّهُ كَالضَّعِيفِ فَتْحٌ وَبَحْرٌ، وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَشَمَلَ مَا إذَا وَجَبَ الدَّيْنُ فِي حَقِّ الْمُوَرِّثِ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالُ التِّجَارَةِ أَوْ بَدَلًا عَمَّا لَيْسَ لَهَا تَتَارْخَانِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فِي حَقِّ الْمِلْكِ لَا فِي حَقِّ التِّجَارَةِ فَأَشْبَهَ بَدَلَ مَالٍ لَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ مُحِيطٌ.
وَفِيهِ: وَأَمَّا الدَّيْنُ الْمُوصَى بِهِ فَلَا يَكُونُ نِصَابًا قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ مَلَكَهُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَلَا قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي فِي الْمِلْكِ فَصَارَ كَمَا لَوْ مَلَكَهُ بِهِبَةٍ اهـ أَيْ فَهُوَ كَالدَّيْنِ الضَّعِيفِ.
[تَنْبِيهٌ]
مُقْتَضَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الدَّيْنَ الْقَوِيَّ وَالْمُتَوَسِّطَ لَا يَجِبُ أَدَاءُ زَكَاتِهِ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ أَنَّ الْمُوَرِّثَ لَوْ مَاتَ بَعْدَ سِنِينَ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ بِإِخْرَاجِ زَكَاتِهِ عِنْدَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ فِي حَيَاتِهِ وَلَا عَلَى الْوَارِثِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ، فَابْتِدَاءُ حَوْلِهِ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ عِنْدَهُ مَا يُضَمُّ إلَى الدَّيْنِ الضَّعِيفِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ اشْتِرَاطِ حَوَلَانِ الْحَوْلِ بَعْدَ الْقَبْضِ.
وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَا يُضَمُّ الدَّيْنُ الضَّعِيفُ إلَيْهِ كَمَا أَفَادَهُ ح.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا وَعِنْدَهُ نِصَابٌ يَضُمُّ الْمَقْبُوضَ إلَى النِّصَابِ وَيُزَكِّيهِ بِحَوْلِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ حَوْلٌ بَعْدَ الْقَبْضِ.