للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [١٠٦ \ ١ - ٤] ، فَإِنَّ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ كَانَتْ إِلَى الْيَمَنِ، وَرِحْلَةَ الصَّيْفِ كَانَتْ إِلَى الشَّامِ، وَكَانَتْ تَأْتِيهِمْ مِنْ كِلْتَا الرِّحْلَتَيْنِ أَمْوَالٌ وَأَرْزَاقٌ ; وَلِذَا أَتْبَعَ الرِّحْلَتَيْنِ بِامْتِنَانِهِ عَلَيْهِمْ: بِأَنْ أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ. وَقَوْلِهِ فِي دَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ الْآيَةَ [٢ \ ١٢٦] ، وَقَوْلِهِ: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ الْآيَةَ [١٤ \ ٣٧] .

وَقَوْلُهُ: فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ [١٦ \ ١١٢] ، ذَكَرَ نَظِيرَهُ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ; كَقَوْلِهِ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ [١٤ \ ٢٨] .

وَقَدْ قَدَّمْنَا طَرَفًا مِنْ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا الْآيَةَ [١٦ \ ٨٣] .

وَقَوْلُهُ: فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [١٦ \ ١١٢] ، وَقَعَ نَظِيرُهُ قَطْعًا لِأَهْلِ مَكَّةَ ; لَمَّا لَجُّوا فِي الْكُفْرِ وَالْعِنَادِ، وَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ: " اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطَأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِينَ يُوسُفَ "، فَأَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ أَذْهَبَتْ كُلَّ شَيْءٍ، حَتَّى أَكَلُوا الْجِيفَ وَالْعَلْهَزَ (وَهُوَ وَبَرُ الْبَعِيرِ يُخْلَطُ بِدَمِهِ إِذَا نَحَرُوهُ) ، وَأَصَابَهُمُ الْخَوْفُ الشَّدِيدُ بَعْدَ الْأَمْنِ ; وَذَلِكَ الْخَوْفُ مِنْ جُيُوشِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَغَزَوَاتِهِ وَبُعُوثِهِ وَسَرَايَاهُ. وَهَذَا الْجُوعُ وَالْخَوْفُ أَشَارَ لَهُمَا الْقُرْآنُ عَلَى بَعْضِ التَّفْسِيرَاتِ ; فَقَدْ فَسَّرَ ابْنُ مَسْعُودٍ آيَةَ (الدُّخَانِ) بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.

قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: بَابُ: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ [٤٤ \ ١٠] ، " فَارْتَقِبْ " [٤٤ \ ١٠] : فَانْتَظِرْ، حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: مَضَى خَمْسٌ: الدُّخَانُ، وَالرُّومُ، وَالْقَمَرُ، وَالْبَطْشَةُ، وَاللِّزَامُ. يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ [٤٤ \ ١١] ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: " إِنَّمَا كَانَ هَذَا ; لِأَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَوْا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ ; فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ، حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ. فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الْجَهْدِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>