حَرَامٌ، بَدَلٌ مِنَ: الْكَذِبِ، وَقِيلَ: إِنَّ الْجُمْلَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ: تَصِفُ، بِتَضْمِينِهَا مَعْنَى تَقُولُ، أَيْ: وَلَا تَقُولُوا الْكَذِبَ لِمَا تَصِفُهُ أَلْسِنَتُكُمْ، فَتَقُولَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ. وَقِيلَ: الْكَذِبَ، مَفْعُولٌ بِهِ لِ تَصِفُ، وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ، وَجُمْلَةُ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِ لَا تَقُولُوا، أَيْ: لَا تَقُولُوا هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِوَصْفِ أَلْسِنَتِكُمُ الْكَذِبَ ; أَيْ: لَا تُحَرِّمُوا وَلَا تُحَلِّلُوا لِأَجْلِ قَوْلٍ تَنْطِقُ بِهِ أَلْسِنَتُكُمْ، وَيَجُولُ فِي أَفْوَاهِكُمْ ; لَا لِأَجْلِ حُجَّةٍ وَبَيِّنَةٍ، قَالَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ. وَقِيلَ: الْكَذِبَ بَدَلٌ مِنْ هَاءِ الْمَفْعُولِ الْمَحْذُوفَةِ ; أَيْ: لِمَا تَصِفُهُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ.
تَنْبِيهٌ.
كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَتَوَرَّعُونَ عَنْ قَوْلِهِمْ: هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ ; خَوْفًا مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: قَالَ الدَّارِمِيُّ: أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مُسْنَدِهِ: أَخْبَرَنَا هَارُونُ، عَنْ حَفْصٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ: «مَا سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ قَطُّ يَقُولُ: حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ، وَلَكِنْ كَانَ يَقُولُ: كَانُوا يَكْرَهُونَ، وَكَانُوا يَسْتَحِبُّونَ» .
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ مَالِكٌ: لَمْ يَكُنْ مِنْ فُتْيَا النَّاسِ أَنْ يَقُولُوا: هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ، وَلَكِنْ يَقُولُوا إِيَّاكُمْ كَذَا وَكَذَا، وَلَمْ أَكُنْ لِأَصْنَعَ هَذَا. انْتَهَى.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ [١٦ \ ١١٦] ، مِنَ التَّعْلِيلِ الَّذِي لَا يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الْفَرْضِ. اه. وَكَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ: هِيَ لَامُ الْعَاقِبَةِ. وَالْبَيَانِيُّونَ يَزْعُمُونَ أَنَّ حَرْفَ التَّعْلِيلِ كَاللَّامِ إِذَا لَمْ تُقْصَدْ بِهِ عِلَّةٌ غَائِيَّةٌ ; كَقَوْلِهِ: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا الْآيَةَ [٢٨ \ ٨] ، وَقَوْلِهِ هُنَا: لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ [١٦ \ ١١٦] ، أَنَّ فِي ذَلِكَ اسْتِعَارَةً تَبَعِيَّةً فِي مَعْنَى الْحَرْفِ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ -: بَلْ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَسَالِيبِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ. فَمِنْ أَسَالِيبِهَا: الْإِتْيَانُ بِحَرْفِ التَّعْلِيلِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْعِلَّةِ الْغَائِيَّةِ ; كَقَوْلِهِ: وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ الْآيَةَ [٥٧ \ ٢٥] ، وَمِنْ أَسَالِيبِهَا الْإِتْيَانُ بِاللَّامِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَرَتُّبِ أَمْرٍ عَلَى أَمْرٍ ; كَتَرَتُّبِ الْمَعْلُولِ عَلَى عِلَّتِهِ الْغَائِيَّةِ. وَهَذَا الْأَخِيرُ كَقَوْلِهِ: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute