للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ دُخُولِهِ إِلَيْهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَمَّا مَرَّ بِهِمْ فِي مَنَازِلِهِمْ جَعَلَ يَسْأَلُ عَنْهُمْ جِبْرِيلَ وَاحِدًا وَاحِدًا وَهُوَ يُخْبِرُهُ بِهِمْ، وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ. لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلًا مَطْلُوبًا إِلَى الْجَنَابِ الْعُلْوِيِّ لِيَفْرِضَ عَلَيْهِ وَعَلَى أُمَّتِهِ مَا يَشَاءُ اللَّهُ تَعَالَى.

ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنَ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ اجْتَمَعَ بِهِ هُوَ وَإِخْوَانِهِ مِنَ النَّبِيِّينَ، ثُمَّ أَظْهَرَ شَرَفَهُ وَفَضْلَهُ عَلَيْهِمْ بِتَقْدِيمِهِ فِي الْإِمَامَةِ، وَذَلِكَ عَنْ إِشَارَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَرَكِبَ الْبُرَاقَ وَعَادَ إِلَى مَكَّةَ بِغَلَسٍ. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. انْتَهَى بِلَفْظِهِ مِنْ تَفْسِيرِ الْحَافِظِ ابْنِ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: ثَبَتَ الْإِسْرَاءُ فِي جَمِيعِ مُصَنَّفَاتِ الْحَدِيثِ، وَرُوِيَ عَنِ الصَّحَابَةِ فِي كُلِّ أَقْطَارِ الْإِسْلَامِ، فَهُوَ مُتَوَاتِرٌ بِهَذَا الْوَجْهِ. وَذَكَرَ النَّقَّاشُ مِمَّنْ رَوَاهُ عِشْرِينَ صَحَابِيًّا، ثُمَّ شَرَعَ يَذْكَرُ بَعْضَ طُرُقِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَبَسْطُ قِصَّةِ الْإِسْرَاءِ، تَرَكْنَاهُ لِشُهْرَتِهِ عِنْدَ الْعَامَّةِ، وَتَوَاتُرِهِ فِي الْأَحَادِيثِ.

وَذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ كَلَامِهِ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَائِدَتَيْنِ، قَالَ فِي أُولَاهُمَا: " فَائِدَةٌ حَسَنَةٌ جَلِيلَةٌ. وَرَوَى الْحَافِظَ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي كِتَابِ (دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ) مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَبِي الرِّجَالِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: " بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ إِلَى قَيْصَرَ. . . ". فَذَكَرَ وُرُودَهُ عَلَيْهِ وَقُدُومَهُ إِلَيْهِ، وَفِي السِّيَاقِ دَلَالَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى وُفُورِ عَقْلِ هِرَقْلَ، ثُمَّ اسْتَدْعَى مَنْ بِالشَّامِ مِنَ التُّجَّارِ فَجِيءَ بِأَبِي سُفْيَانَ صَخْرِ بْنِ حَرْبٍ وَأَصْحَابِهِ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ تِلْكَ الْمَسَائِلِ الْمَشْهُورَةِ الَّتِي رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ.

وَجَعَلَ أَبُو سُفْيَانَ يَجْتَهِدُ أَنَّ يُحَقِّرَ أَمْرَهُ وَيُصَغِّرَ عِنْدَهُ، قَالَ فِي هَذَا السِّيَاقِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ: " وَاللَّهِ مَا مَنَعَنِي مِنْ أَنْ أَقُولَ عَلَيْهِ قَوْلًا أُسْقِطُهُ بِهِ مِنْ عَيْنِهِ إِلَّا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَكْذِبَ عِنْدَهُ كِذْبَةً يَأْخُذُهَا عَلَيَّ وَلَا يُصَدِّقُنِي فِي شَيْءٍ. قَالَ: حَتَّى ذَكَرْتُ قَوْلَهُ لَيْلَةَ أُسَرِيَ بِهِ، قَالَ: فَقُلْتُ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، أَلَا أُخْبِرُكَ خَبَرًا تَعْرِفُ بِهِ أَنَّهُ قَدْ كَذَبَ. قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: قُلْتُ إِنَّهُ يَزْعُمُ لَنَا أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ أَرْضِنَا أَرْضِ الْحَرَمِ فِي لَيْلَةٍ، فَجَاءَ مَسْجِدَكُمْ هَذَا مَسْجِدَ إِيلِيَاءَ، وَرَجَعَ إِلَيْنَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ قَبْلَ الصَّبَاحِ. قَالَ: وَبِطْرِيقُ إِيلِيَاءَ عِنْدَ رَأْسِ قَيْصَرَ، فَقَالَ بِطْرِيقُ إِيلِيَاءَ: قَدْ عَلِمْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ.

قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهِ قَيْصَرُ. وَقَالَ: وَمَا عِلْمُكَ بِهَذَا؟ قَالَ: إِنِّي كُنْتُ لَا أَنَامُ لَيْلَةً حَتَّى أُغْلِقَ أَبْوَابَ الْمَسْجِدِ. فَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ أَغْلَقْتُ الْأَبْوَابَ كُلَّهَا غَيْرَ بَابٍ وَاحِدٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>