للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي فَرْجِ امْرَأَةٍ عَلَى وَجْهِ الْخِيَانَةِ وَالْغَدْرِ، فَإِنَّهُ ارْتَكَبَ أَخَسَّ جَرِيمَةٍ عَرَفَهَا الْإِنْسَانُ بِهَتْكِ الْأَعْرَاضِ، وَتَقْذِيرِ الْحُرُمَاتِ، وَالسَّعْيِ فِي ضَيَاعِ أَنْسَابِ الْمُجْتَمَعِ الْإِنْسَانِيِّ، وَالْمَرْأَةُ الَّتِي تُطَاوِعُهُ فِي ذَلِكَ مِثْلُهُ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ نَجِسٌ قَذِرٌ لَا يَصْلُحُ لِلْمُصَاحَبَةِ، فَعَاقَبَهُ خَالِقُهُ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ بِالْقَتْلِ لِيَدْفَعَ شَرَّهُ الْبَالِغَ غَايَةَ الْخُبْثِ وَالْخِسَّةِ، وَشَرَّ أَمْثَالِهِ عَنِ الْمُجْتَمَعِ، وَيُطَهِّرُهُ هُوَ مِنَ التَّنْجِيسِ بِتِلْكَ الْقَاذُورَةِ الَّتِي ارْتَكَبَ، وَجَعَلَ قِتْلَتَهُ أَفْظَعَ قِتْلَةٍ ; لِأَنَّ جَرِيمَتَهُ أَفْظَعُ جَرِيمَةٍ، وَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ.

وَقَدْ دَلَّ الشَّرْعُ الْمُطَهَّرُ عَلَى أَنَّ إِدْخَالَ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ الْمَأْذُونِ فِيهِ شَرْعًا يُوجِبُ الْغُسْلَ، وَالْمَنْعَ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى يَغْتَسِلَ بِالْمَاءِ، فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ يَتَطَلَّبُ طَهَارَةً فِي الْأَصْلِ، وَطَهَارَتُهُ الْمَعْنَوِيَّةُ إِنْ كَانَ حَرَامًا قَتْلُ صَاحِبِهِ الْمُحْصَنِ، لِأَنَّهُ إِنْ رُجِمَ كَفَّرَ ذَلِكَ عَنْهُ ذَنْبَ الزِّنَى، وَيَبْقَى عَلَيْهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ ; كَالزَّوْجِ إِنْ زَنَى بِمُتَزَوِّجَةٍ، وَحَقُّ الْأَوْلِيَاءِ فِي إِلْحَاقِ الْعَارِ بِهِمْ كَمَا أَشَرْنَا لَهُ سَابِقًا.

وَشِدَّةُ قُبْحِ الزِّنَى أَمْرٌ مَرْكُوزٌ فِي الطَّبَائِعِ، وَقَدْ قَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ وَهِيَ كَافِرَةٌ: مَا أَقْبَحَ ذَلِكَ الْفِعْلَ حَلَالًا! فَكَيْفَ بِهِ وَهُوَ حَرَامٌ. وَغَلَّظَ جَلَّ وَعَلَا عُقُوبَةَ الْمُحْصَنِ بِالرَّجْمِ تَغْلِيظًا أَشَدَّ مِنْ تَغْلِيظِ عُقُوبَةِ الْبِكْرِ بِمِائَةِ جَلْدَةٍ ; لِأَنَّ الْمُحْصَنَ قَدْ ذَاقَ عُسَيْلَةَ النِّسَاءِ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ يَعْسُرُ عَلَيْهِ الصَّبْرُ عَنْهُنَّ، فَلَمَّا كَانَ الدَّاعِي إِلَى الزِّنَى أَعْظَمَ، كَانَ الرَّادِعُ عَنْهُ أَعْظَمَ وَهُوَ الرَّجْمُ.

وَأَمَّا جَلْدُ الزَّانِي الْبِكْرِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى مِائَةَ جَلْدَةٍ فَهَذَا مَنْصُوصٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ الْآيَةَ [٢٤ \ ٢] ; لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُوبَةَ تَرْدَعُهُ وَأَمْثَالَهُ عَنِ الزِّنَى، وَتُطَهِّرُهُ مِنْ ذَنْبِ الزِّنَى كَمَا تَقَدَّمَ. وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَفْصِيلُ مَا يَلْزَمُ الزُّنَاةَ مِنْ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ، وَعَبِيدٍ وَأَحْرَارٍ «فِي سُورَةِ النُّورِ» .

وَتَشْرِيعُ الْحَكِيمِ الْخَبِيرِ جَلَّ وَعَلَا مُشْتَمِلٌ عَلَى جَمِيعِ الْحِكَمِ مِنْ دَرْءِ الْمَفَاسِدِ وَجَلْبِ الْمَصَالِحِ، وَالْجَرْيِ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَمَحَاسِنِ الْعَادَاتِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مِنْ أَقْوَمِ الطُّرُقِ مُعَاقَبَةُ فَظِيعِ الْجِنَايَةِ بِعَظِيمِ الْعِقَابِ جَزَاءً وِفَاقًا.

وَمِنْ هَدْيِ الْقُرْآنِ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ: هَدْيُهُ إِلَى أَنَّ التَّقَدُّمَ لَا يُنَافِي التَّمَسُّكَ بِالدِّينِ، فَمَا خَيَّلَهُ أَعْدَاءُ الدِّينِ لِضِعَافِ الْعُقُولِ مِمَّنْ يَنْتَمِي إِلَى الْإِسْلَامِ: مِنْ أَنَّ التَّقَدُّمَ لَا يُمْكِنُ إِلَّا بِالِانْسِلَاخِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، بَاطِلٌ لَا أَسَاسَ لَهُ، وَالْقُرْآنُ الْكَرِيمُ يَدْعُو إِلَى التَّقَدُّمِ فِي جَمِيعِ الْمَيَادِينِ الَّتِي لَهَا أَهَمِّيَّةٌ فِي دُنْيَا أَوْ دِينٍ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ التَّقَدُّمَ فِي حُدُودِ الدِّينِ، وَالتَّحَلِّي بِآدَابِهِ الْكَرِيمَةِ، وَتَعَالِيمِهِ السَّمَاوِيَّةِ ; قَالَ تَعَالَى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ الْآيَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>