[٣٧ \ ١٧١ - ١٧٣] وَقَوْلِهِ: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [٥٨ \ ٢١] وَقَوْلِهِ: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الْآيَةَ [٤٠ \ ٥١] ، وَقَوْلِهِ: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ [٩ \ ١٤] ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنَ الْأَحَادِيثِ.
فَإِنَّ النِّسْبَةَ بَيْنَ التَّمَسُّكِ بِالدِّينِ وَالتَّقَدُّمِ، كَالنِّسْبَةِ بَيْنَ الْمَلْزُومِ وَلَازِمِهِ ; لِأَنَّ التَّمَسُّكَ بِالدِّينِ مَلْزُومٌ لِلتَّقَدُّمِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ التَّقَدُّمُ، كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الْآيَاتُ الْمَذْكُورَةُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ النِّسْبَةَ بَيْنَ الْمَلْزُومِ وَلَازِمِهِ لَا تَعْدُو أَحَدَ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ الْمُسَاوَاةَ أَوِ الْخُصُوصَ الْمُطْلَقَ ; لِأَنَّ الْمَلْزُومَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَعَمَّ مَنْ لَازِمِهِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لَهُ أَوْ أَخَصَّ مِنْهُ، وَلَا يَتَعَدَّى ذَلِكَ، وَمِثَالُ ذَلِكَ: الْإِنْسَانُ مَثَلًا، فَإِنَّهُ مَلْزُومٌ لِلْبَشَرِيَّةِ الْحَيَوَانِيَّةِ، بِمَعْنَى أَنَّ الْإِنْسَانَ يَلْزَمُ عَلَى كَوْنِهِ إِنْسَانًا أَنْ يَكُونَ بَشَرًا وَأَنْ يَكُونَ حَيَوَانًا، وَأَحَدُ هَذَيْنِ اللَّازِمَيْنِ مُسَاوٍ لَهُ فِي الْمَاصَدَقِ وَهُوَ الْبَشَرُ. وَالثَّانِي أَعَمُّ مِنْهُ مَا صِدْقًا وَهُوَ الْحَيَوَانُ، فَالْإِنْسَانُ أَخَصُّ مِنْهُ خُصُوصًا مُطْلَقًا كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ.
فَانْظُرْ كَيْفَ خَيَّلُوا لَهُمْ أَنَّ الرَّبْطَ بَيْنَ الْمَلْزُومِ وَلَازِمِهِ كَالتَّنَافِي الَّذِي بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ وَالضِّدَّيْنِ، وَأَطَاعُوهُمْ فِي ذَلِكَ لِسَذَاجَتِهِمْ وَجَهْلِهِمْ وَعَمَى بَصَائِرِهِمْ، فَهُمْ مَا تَقَوَّلُوا عَلَى الدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ وَرَمَوْهُ بِمَا هُوَ مِنْهُ بَرِيءٌ إِلَّا لِيُنَفِّرُوا مِنْهُ ضِعَافَ الْعُقُولِ مِمَّنْ يَنْتَمِي لِلْإِسْلَامِ لِيُمْكِنَهُمُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ لَوْ عَرَفُوا الدِّينَ حَقًّا وَاتَّبَعُوهُ لَفَعَلُوا بِهِمْ مَا فَعَلَ أَسْلَافُهُمْ بِأَسْلَافِهِمْ، فَالدِّينُ هُوَ هُوَ، وَصِلَتُهُ بِاللَّهِ هِيَ هِيَ، وَلَكِنَّ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَيْهِ فِي جُلِّ أَقْطَارِ الدُّنْيَا تَنَكَّرُوا لَهُ، وَنَظَرُوا إِلَيْهِ بِعَيْنِ الْمَقْتِ وَالِازْدِرَاءِ، فَجَعَلَهُمُ اللَّهُ أَرِقَّاءَ لِلْكَفَرَةِ الْفَجَرَةِ، وَلَوْ رَاجَعُوا دِينَهُمْ لَرَجَعَ لَهُمْ عِزُّهُمْ وَمَجْدُهُمْ، وَقَادُوا جَمِيعَ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ: ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ [٤٧ \ ٤] .
وَمِنْ هَدْيِ الْقُرْآنِ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ بَيَانُهُ أَنَّهُ كُلُّ مَنِ اتَّبَعَ تَشْرِيعًا غَيْرَ التَّشْرِيعِ الَّذِي جَاءَ بِهِ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، فَاتِّبَاعُهُ لِذَلِكَ التَّشْرِيعِ الْمُخَالِفِ كُفْرٌ بَوَاحٌ، مُخْرِجٌ عَنِ الْمِلَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَلَمَّا قَالَ الْكُفَّارُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الشَّاةُ تُصْبِحُ مَيِّتَةً مَنْ قَتَلَهَا؟ فَقَالَ لَهُمْ: «اللَّهُ قَتَلَهَا» فَقَالُوا لَهُ: مَا ذَبَحْتُمْ بِأَيْدِيهِمْ حَلَالٌ، وَمَا ذَبَحَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ الْكَرِيمَةِ تَقُولُونَ إِنَّهُ حَرَامٌ! فَأَنْتُمْ إِذَنْ أَحْسَنُ مِنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute