للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِهَا، نَقَلَهُ عَنْهُ الْقُرْطُبِيُّ.

قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: هَذَا التَّفْسِيرُ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِمْ: نَهَارُهُ صَائِمٌ، وَلَيْلُهُ قَائِمٌ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ:

لَقَدْ لُمْتِنَا يَا أَمَّ غَيْلَانَ فِي السُّرَى ... وَنِمْتِ وَمَا لَيْلُ الْمُحِبِّ بِنَائِمِ

وَغَايَةُ مَا فِي الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ مِنَ التَّفْسِيرِ: حَذْفُ مُضَافٍ، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِنْ دَلَّتْ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَمَا يَلِي الْمُضَافَ يَأْتِي خَلَفًا عَنْهُ فِي الْإِعْرَابِ إِذَا مَا حُذِفَا

وَالْقَرِينَةُ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الدَّالَّةُ عَلَى الْمُضَافِ الْمَحْذُوفِ قَوْلُهُ: فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً [١٧ \ ١٢] ، فَإِضَافَةُ الْآيَةِ إِلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْآيَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ لَهُمَا لَا هُمَا أَنْفَسَهُمَا، وَحَذْفُ الْمُضَافِ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ: وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا [١٢ \ ٨٢] ، وَقَوْلُهُ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ [٤ \ ٢٣] ; أَيْ نِكَاحُهَا، وَقَوْلِهِ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [٥ \ ٣] ، أَيْ أَكْلُهَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَعَلَى الْقَوْلِ بِتَقْدِيرِ الْمُضَافِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَتَيْنِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، فَالْآيَاتُ الْمُوَضِّحَةُ لِكَوْنِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ آيَتَيْنِ تَقَدَّمَتْ مُوَضَّحَةً فِي سُورَةِ النَّحْلِ.

الْوَجْهُ الثَّانِي مِنَ التَّفْسِيرِ: أَنَّ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ لَيْسَ فِيهَا مُضَافٌ مَحْذُوفٌ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَتَيْنِ نَفْسُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، لَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ.

وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَإِضَافَةُ الْآيَةِ إِلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنْ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ مَعَ اخْتِلَافِ اللَّفْظِ، تَنْزِيلًا لِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ مَنْزِلَةَ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَعْنَى، وَإِضَافَةُ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ مَعَ اخْتِلَافِ اللَّفْظِ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ، فَمِنْهُ فِي الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: شَهْرُ رَمَضَانَ الْآيَةَ [٢ \ ١٨٥] ، وَرَمَضَانُ هُوَ نَفْسُ الشَّهْرِ بِعَيْنِهِ عَلَى التَّحْقِيقِ، وَقَوْلُهُ: وَلَدَارُ الْآخِرَةِ الْآيَةَ [١٢ \ ١٠٩] ، وَالدَّارُ هِيَ الْآخِرَةُ بِعَيْنِهَا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ [٦ \ ٣٢] بِالتَّعْرِيفِ، وَالْآخِرَةُ نَعْتٌ لِلدَّارِ، وَقَوْلُهُ: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [٥٠ \ ١٦] ، وَالْحَبْلُ هُوَ الْوَرِيدُ، وَقَوْلُهُ: وَمَكْرَ السَّيِّئِ الْآيَةَ [٣٥ \ ٤٣] ، وَالْمَكْرُ هُوَ السَّيْءُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [٣٥ \ ٤٣]

<<  <  ج: ص:  >  >>