للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِعَصًا.

قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا: أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا ضَرَبَ الرَّجُلَ بِعَصًا أَوْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ، أَوْ ضَرَبَهُ عَمْدًا فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ ; فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْعَمْدُ وَفِيهِ الْقِصَاصُ.

قَالَ مَالِكٌ: فَقَتْلُ الْعَمْدِ عِنْدَنَا أَنْ يَعْمِدَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فَيَضْرِبُهُ حَتَّى تَفِيضَ نَفْسُهُ اهـ مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ بِالْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمُ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَحَمَّادٌ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، نَقَلَهُ عَنْهُمُ ابْنَ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي.

وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ رَحِمَهُمُ اللَّهُ، فَقَالُوا: لَا قِصَاصَ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ، وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِأَدِلَّةٍ:

مِنْهَا أَنَّ الْقِصَاصَ يُشْتَرَطُ لَهُ الْعَمْدُ، وَالْعَمْدُ مِنْ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ، وَلَا يُعْلَمُ إِلَّا بِالْقَرَائِنِ الْجَازِمَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ بِآلَةِ الْقَتْلِ كَالْمُحَدَّدِ، عُلِمَ أَنَّهُ عَامِدُ قَتْلِهِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يُعْلَمْ عُمَدُهُ لِلْقَتْلِ ; لِاحْتِمَالِ قَصْدِهِ أَنْ يَشُجَّهُ أَوْ يُؤْلِمَهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ قَتْلِهِ فَيُئَوَّلُ إِلَى شِبْهِ الْعَمْدِ.

وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثٍ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مَنْ بَنِي لَحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ. ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قُضِيَ عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا، وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا» .

وَفِي رِوَايَةٍ: «اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ ; فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا ; فَاخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ، وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا» .

قَالُوا: فَهَذَا حَدِيثٌ مُتَّفِقٌ عَلَيْهِ، يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ بِغَيْرِ الْمُحَدَّدِ ; لِأَنَّ رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ تَدُلُّ عَلَى الْقَتْلِ بِغَيْرِ مُحَدَّدٍ ; لِأَنَّ فِي بَعْضِهَا أَنَّهَا قَتَلَتْهَا بِعَمُودٍ، وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهَا قَتَلَتْهَا بِحَجَرٍ.

وَمِنْهَا مَا رُوِيَ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَلِيٍّ، وَأَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَرْفُوعًا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا قَوْدَ إِلَّا بِحَدِيدَةٍ» . وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ: «كُلُّ شَيْءٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>