للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَوْلِهِ «الْمُؤْمِنَةِ» أَنَّ النَّفْسَ الْكَافِرَةَ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، عَلَى أَنَّ الْمُخَالِفَ فِي هَذِهِ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَالْمُقَرَّرُ فِي أُصُولِهِ: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ دَلِيلُ الْخِطَابِ أَعْنِي مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ عَنْهُ. وَلَا يَقُولُ بِحَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيِّدِ، فَيَسْتَدِلُّ بِإِطْلَاقِ النَّفْسِ عَنْ قَيْدِ الْإِيمَانِ فِي الْأَدِلَّةِ الْأُخْرَى عَلَى شُمُولِهَا لِلْكَافِرِ، وَالْقَوْلِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْكَافِرِ الْمَقْتُولِ عَمْدًا فَتَكُونُ دِيَتُهُ كَدِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَبَيْنَ الْمَقْتُولِ خَطَأً فَتَكُونُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، لَا نَعْلَمُ لَهُ مُسْتَنَدًا مِنْ كِتَابٍ وَلَا سَنَةٍ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَأَمَّا دِيَةُ الْمَجُوسِيِّ: فَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهَا ثُلْثُ خُمْسِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ ; فَهِيَ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَنِسَاؤُهُمْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ.

وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ ; مِنْهُمْ عُمَرُ وَعُثْمَانُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَعَطَاءٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَالْحَسَنُ، وَإِسْحَاقُ.

وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَّهُ قَالَ: دِيَتُهُ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ كَدِيَةِ الْكِتَابِيِّ.

وَقَالَ النَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ: دِيَتُهُ كَدِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ.

وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْمَجُوسِيِّ كَدِيَةِ الْكِتَابِيِّ بِحَدِيثِ: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» لَا يَتَّجِهُ، لِأَنَّا لَوْ فَرَضْنَا صَلَاحِيَةَ الْحَدِيثِ لِلِاحْتِجَاجِ، فَالْمُرَادُ بِهِ أَخْذُ الْجِزْيَةَ مِنْهُمْ فَقَطْ، بِدَلِيلِ أَنَّ نِسَاءَهُمْ لَا تَحِلُّ، وَذَبَائِحُهُمْ لَا تُؤْكَلُ اه.

وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي «الْمُغْنِي» : إِنَّ قَوْلَ مَنْ ذَكَرْنَا مِنَ الصَّحَابَةِ: إِنَّ دِيَةَ الْمَجُوسِيِّ ثُلُثُ خُمْسِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، لَمْ يُخَالِفْهُمْ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فَصَارَ إِجْمَاعًا سُكُوتِيًّا. وَقَدْ قَدَّمْنَا قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ حُجَّةٌ.

وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: دِيَةُ الْمُرْتَدِّ إِنْ قُتِلَ قَبْلَ الِاسْتِتَابَةِ كَدِيَةِ الْمَجُوسِيِّ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ. وَأَمَّا الْحَرُبِيُّونَ فَلَا دِيَةَ لَهُمْ مُطْلَقًا. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

الْفَرْعُ السَّابِعُ: اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي مُوجَبِ التَّغْلِيظِ فِي الدِّيَةِ، وَبِمَ تُغَلَّظُ؟ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهَا تُغَلَّظُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: وَهِيَ الْقَتْلُ فِي الْحَرَمِ، وَكَوْنُ الْمَقْتُولِ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ ; فَتُغَلَّظُ الدِّيَةُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِزِيَادَةِ ثُلُثِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>