دَاعِي لِلِانْتِظَارِ.
قَالَ: الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى مَا نَصُّهُ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إِنَّمَا اسْتَبَدَّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِقَتْلِهِ قَبْلَ بُلُوغِ الصِّغَارِ مِنْ وَلَدِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ قَتَلَهُ حَدًّا لِكُفْرِهِ لَا قِصَاصًا.
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي " الْمُغْنِي ": فَأَمَّا ابْنُ مُلْجِمٍ فَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ قَتَلَهُ بِكُفْرِهِ ; لِأَنَّهُ قَتَلَ عَلِيًّا مُسْتَحِلًّا لِدَمِهِ، مُعْتَقِدًا كُفْرَهُ، مُتَقَرِّبًا بِذَلِكَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: قَتَلَهُ لِسَعْيِهِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ وَإِظْهَارِ السِّلَاحِ، فَيَكُونُ كَقَاطِعِ الطَّرِيقِ إِذَا قَتَلَ، وَقَتْلُهُ مُتَحَتِّمٌ، وَهُوَ إِلَى الْإِمَامِ، وَالْحَسَنُ هُوَ الْإِمَامُ، وَلِذَلِكَ لَمَّ يَنْتَظِرِ الْغَائِبِينَ مِنَ الْوَرَثَةِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَنَا فِي وُجُوبِ انْتِظَارِهِمْ، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ قَتَلَهُ قِصَاصًا فَقَدِ اتَّفَقْنَا عَلَى خِلَافِهِ، فَكَيْفَ يَحْتَجُّ بِهِ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ. انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْمُغْنِي.
وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَارِيخِهِ مَا نَصُّهُ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَلَمْ يَنْتَظِرْ بِقَتْلِهِ بُلُوغَ الْعَبَّاسِ بْنِ عَلِيٍّ ; فَإِنَّهُ كَانَ صَغِيرًا يَوْمَ قُتِلَ أَبُوهُ. قَالُوا: لِأَنَّهُ كَانَ قَتْلَ مُحَارَبَةٍ لَا قِصَاصًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ اه.
وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ ابْنَ مُلْجِمٍ كَافِرٌ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ عَلِيٌّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَشْقَى الْأَوَّلِينَ "؟ قُلْتُ: عَاقِرُ النَّاقَةِ. قَالَ: " صَدَقْتَ. فَمَنْ أَشْقَى الْآخِرِينَ "؟ قُلْتُ: لَا عِلْمَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " الَّذِي يَضْرِبُكَ عَلَى هَذَا - وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى يَافُوخِهِ - فَيُخَضِّبُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ - يَعْنِي لِحْيَتَهُ - مِنْ دَمِ رَأْسِهِ " قَالَ: فَكَانَ يَقُولُ: وَدِدْتُ أَنَّهُ قَدِ انْبَعَثَ أَشْقَاكُمْ " وَقَدْ سَاقَ طُرُقَ هَذَا الْحَدِيثِ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَارِيخِهِ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي " الِاسْتِيعَابِ " وَغَيْرُهُمَا.
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ التَّارِيخِ وَالْأَخْبَارِ - وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - أَنَّ قَتْلَ ابْنِ مُلْجِمٍ كَانَ قِصَاصًا لِقَتْلِهِ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَا لِكُفْرٍ وَلَا حَرَابَةٍ، وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَحْكُمْ بِكُفْرِ الْخَوَارِجِ، وَلَمَّا سُئِلَ عَنْهُمْ قَالَ: مِنَ الْكُفْرِ فَرُّوا، فَقَدْ ذَكَرَ الْمُؤَرِّخُونَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحْبِسُوا ابْنَ مُلْجِمٍ وَيُحْسِنُوا إِسَارَهُ، وَأَنَّهُ إِنْ مَاتَ قَتَلُوهُ بِهِ قِصَاصًا، وَإِنْ حَيِيَ فَهُوَ وَلِيُّ دَمِهِ ; كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْأَثِيرِ، وَابْنُ كَثِيرٍ وَغَيْرُهُمْ فِي تَوَارِيخِهِمْ.
وَذِكْرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْإِخْبَارِيِّينَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ابْنَ مُلْجِمٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute