يَا ضَرْبَةً مِنْ تَقِيٍّ مَا أَرَادَ بِهَا ... إِلَّا لِيَبْلُغَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ رِضْوَانَا
بَلْ ضَرْبَةٌ مِنْ غَوِيٍّ أَوْرَدَتْهُ لَظًى ... فَسَوْفَ يَلْقَى بِهَا الرَّحْمَنَ غَضْبَانَا
كَأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ قَصْدًا بِضَرْبَتِهِ ... إِلَّا لِيَصْلَى عَذَابَ الْخُلْدِ نِيرَانَا
وَبِمَا ذَكَرْنَا تَعْلَمُ أَنَّ قَتْلَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَنْهُ لِابْنِ مُلْجِمٍ قَبْلَ بُلُوغِ الصِّغَارِ مِنْ أَوْلَادِ عَلِيٍّ يُقَوِّي حُجَّةَ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ انْتِظَارِ بُلُوغِ الصَّغِيرِ.
وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ أَيْضًا بِكُفْرِهِ قَوِيَّةٌ ; لِلْحَدِيثِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ أَشْقَى الْآخِرِينَ، مَقْرُونًا بِقَاتِلِ نَاقَةِ صَالِحٍ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ: إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى كُفْرِهِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْقَتْلَ ظُلْمًا، الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ بِسَبَبِهِ هَذَا السُّلْطَانَ وَالنَّصْرَ الْمَذْكُورَيْنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، الَّتِي هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا الْآيَةَ [١٧ \ ٣٣] ، يَثْبُتُ بِوَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: اثْنَانِ مِنْهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، وَوَاحِدٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ.
أَمَّا الِاثْنَانِ الْمُتَّفَقُ عَلَى ثُبُوتِهِ بِهِمَا: فَهُمَا الْإِقْرَارُ بِالْقَتْلِ، وَالْبَيِّنَةُ الشَّاهِدَةُ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الثَّالِثُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ: فَهُوَ أَيْمَانُ الْقَسَامَةِ مَعَ وُجُودِ اللَّوْثِ، وَهَذِهِ أَدِلَّةُ ذَلِكَ كُلِّهِ.
أَمَّا الْإِقْرَارُ بِالْقَتْلِ: فَقَدْ دَلَّتْ أَدِلَّةٌ عَلَى لُزُومِ السُّلْطَانِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِهِ. قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: «بَابُ إِذَا أَقَرَّ بِالْقَتْلِ مَرَّةً قُتِلَ بِهِ» حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرْنَا حِبَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَقِيلَ لَهَا: مَنْ فَعَلَ بِكِ هَذَا؟ أَفُلَانٌ؟ أَفُلَانٌ؟ حَتَّى سُمِّي الْيَهُودِيُّ. فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا، فَجِيءَ بِالْيَهُودِيِّ فَاعْتَرَفَ، فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُضَّ رَأْسُهُ بِالْحِجَارَةِ، وَقَدْ قَالَ هَمَّامٌ: بِحَجَرَيْنِ.
وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا: (بَابُ سُؤَالِ الْقَاتِلِ حَتَّى يُقِرَّ) ، ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ أَنَسٍ هَذَا، وَقَالَ فِيهِ: فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أَقَرَّ فَرَضَّ رَأْسَهُ بِالْحِجَارَةِ، وَهُوَ دَلِيلٌ صَحِيحٌ وَاضِحٌ عَلَى لُزُومِ السُّلْطَانِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِإِقْرَارِ الْقَاتِلِ، وَحَدِيثُ أَنَسٍ هَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ، وَأَصْحَابُ السُّنَنِ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدَ.
وَمِنَ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ