بِهَا وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ، إِنِّي لَأَرَى أَنَّهُمْ أَلْفُ رَجُلٍ، فَمَا اخْتَلَفَ مِنْهُمُ اثْنَانِ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ (فِي فَتْحِ الْبَارِي) : إِنَّمَا نَقَلَ ذَلِكَ أَبُو الزِّنَادِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ; كَمَا أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ، وَإِلَّا فَأَبُو الزِّنَادِ لَا يَثْبُتُ أَنَّهُ رَأَى عِشْرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ فَضْلًا عَنْ أَلْفٍ.
وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّ الْقَسَامَةَ تَجِبُ بِهَا الدِّيَةُ وَلَا يَجِبُ بِهَا الْقَوَدُ: الشَّافِعِيُّ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَعُثْمَانَ الْبُتِّيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْ مُعَاوِيَةَ: الْقَتْلُ بِهَا أَيْضًا.
وَذَهَبَتْ جَمَاعَةٌ أُخْرَى إِلَى أَنَّ الْقَسَامَةَ لَا يَثْبُتُ بِهَا حُكْمٌ مِنْ قِصَاصٍ وَلَا دِيَةٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَأَبِي قِلَابَةَ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَقَتَادَةَ، وَمُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ عُلَيَّةَ، وَإِلَيْهِ يَنْحُو الْبُخَارِيُّ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِاخْتِلَافٍ عَنْهُ.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ أَنَّهُ نَدِمَ عَلَى قَتْلِهِ رَجُلًا بِالْقَسَامَةِ، وَمَحَا أَسْمَاءَ الَّذِينَ حَلَفُوا أَيْمَانَهُمْ مِنَ الدِّيوَانِ، وَسَيَّرَهُمْ إِلَى الشَّامِ، قَالَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ.
فَإِذَا عَرَفْتَ أَقْوَالَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْقَسَامَةِ فَدُونَكَ أَدِلَّتَهُمْ عَلَى أَقْوَالِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ:
أَمَّا الَّذِينَ قَالُوا بِالْقِصَاصِ بِالْقَسَامَةِ فَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا ثَبَتَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي قَتْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيِّ بِخَيْبَرَ، مُخَاطِبًا لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ: " يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ. . " الْحَدِيثَ. فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الثَّابِتِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ " فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ " مَعْنَاهُ: أَنَّهُ يُسَلَّمُ لَهُمْ لِيَقْتُلُوهُ بِصَاحِبِهِمْ. وَهُوَ نَصٌّ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي الْقَوَدِ بِالْقَسَامَةِ.
وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا، وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنِ ابْنِ حَجَرٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: صَحِيحٌ حَسَنٌ. فَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ: " أَقِمْ شَاهِدَيْنَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ أَدْفَعْهُ إِلَيْكُمْ بِرُمَّتِهِ " صَرِيحٌ أَيْضًا فِي الْقَوَدِ بِالْقَسَامَةِ. وَادِّعَاءُ أَنَّ مَعْنَى دَفْعِهِ إِلَيْهِمْ بِرُمَّتِهِ: أَيْ لِيَأْخُذُوا مِنْهُ الدِّيَةَ، بِعِيدٌ جِدًّا كَمَا تَرَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute