للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِـ أَنْزَلَ، وَقَالَ الْحَوْفِيُّ: هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: قَيِّمًا، وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ.

وَالْإِنْذَارُ: الْإِعْلَامُ الْمُقْتَرِنُ بِتَخْوِيفٍ وَتَهْدِيدٍ، فَكُلُّ إِنْذَارٍ إِعْلَامٌ، وَلَيْسَ كُلُّ إِعْلَامٍ إِنْذَارًا، وَالْإِنْذَارُ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى [٩٢ \ ١٤] ، وَقَوْلِهِ: إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا الْآيَةَ [٣٨ \ ٤٠] .

وَفِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ كَرَّرَ تَعَالَى الْإِنْذَارَ، فَحَذَفَ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ مَفْعُولَ الْإِنْذَارِ الْأَوَّلَ، وَحَذَفَ فِي الثَّانِي الْمَفْعُولَ الثَّانِيَ، فَصَارَ الْمَذْكُورُ دَلِيلًا عَلَى الْمَحْذُوفِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. وَتَقْدِيرُ الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ الْمَحْذُوفِ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ: لِيُنْذِرَ الَّذِينَ كَفَرُوا بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ، وَتَقْدِيرُ الْمَفْعُولِ الثَّانِي الْمَحْذُوفِ فِي الْمَوْضِعِ الثَّانِي: وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ.

وَقَدْ أَشَارَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ إِلَى أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ تَخْوِيفٌ وَتَهْدِيدٌ لِلْكَافِرِينَ، وَبِشَارَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ ; إِذْ قَالَ فِي تَخْوِيفِ الْكَفَرَةِ بِهِ: لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ [١٨ \ ٢] ، وَقَالَ: وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا الْآيَةَ [١٨ \ ٤] ، وَقَالَ فِي بِشَارَتِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ: وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا الْآيَةَ [١٨ \ ٢] .

وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ كَوْنِهِ إِنْذَارًا لِهَؤُلَاءِ وَبِشَارَةً لِهَؤُلَاءِ بَيَّنَهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ ; كَقَوْلِهِ: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا [١٩ \ ٩٧] ، وَقَوْلِهِ: المص كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ [٧ \ ١ - ٢] .

وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذَا الْمَبْحَثَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ «الْأَعْرَافِ» ، وَأَوْضَحْنَا هُنَالِكَ الْمَعَانِيَ الَّتِي وَرَدَ بِهَا الْإِنْذَارُ فِي الْقُرْآنِ. وَالْبَأْسُ الشَّدِيدُ الَّذِي أَنْذَرَهُمْ إِيَّاهُ: هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَالْبِشَارَةُ: الْخَيْرُ بِمَا يَسُرُّ.

وَقَدْ تُطْلِقُ الْعَرَبُ الْبِشَارَةَ عَلَى الْإِخْبَارِ بِمَا يَسُوءُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [٤٥ \ ٨] وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

وَبَشَّرْتَنِي يَا سَعْدُ أَنَّ أَحِبَّتِي جَفَوْنِي ... وَقَالُوا الْوُدُّ مَوْعِدُهُ الْحَشْرُ

وَقَوْلُ الْآخَرِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>