وَقَدْ يَأْتِي التَّفَاعُلُ بِمَعْنَى مُجَرَّدِ الْفِعْلِ كَمَا هُنَا، وَكَقَوْلِهِمْ: سَافَرَ وَعَاقَبَ وَعَافَى.
وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ فِي الْكَهْفِ حَوَاجِزَ طَبِيعِيَّةً تَمْنَعُ مِنْ دُخُولِ الشَّمْسِ بِحَسَبِ وَضْعِ الْكَهْفِ، فَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ: ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، رَاجِعَةٌ إِلَى مَا ذُكِرَ مِنْ حَدِيثِهِمْ، أَيْ ذَلِكَ الْمَذْكُورِ مِنْ هِدَايَتِهِمْ إِلَى التَّوْحِيدِ وَإِخْرَاجِهِمْ مِنْ بَيْنِ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، وَإِيوَائِهِمْ إِلَى ذَلِكَ الْكَهْفِ، وَحِمَايَتِهِمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ إِلَى آخَرِ حَدِيثِهِمْ - مِنْ آيَاتِ اللَّهِ. وَأَصْلُ الْآيَةِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ «أَيَيَةٍ» بِثَلَاثِ فَتَحَاتٍ، أُبْدِلَتْ فِيهِ الْيَاءُ الْأُولَى أَلِفًا، وَالْغَالِبُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا اجْتَمَعَ مُوجِبَا إِعْلَالٍ كَانَ الْإِعْلَالُ فِي الْأَخِيرِ ; لِأَنَّ التَّغَيُّرَ عَادَةً أَكْثَرُ فِي الْأَوَاخِرِ، كَمَا فِي طَوَى وَنَوَى، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَهُنَا أُعِلَّ الْأَوَّلُ عَلَى خِلَافِ الْأَغْلَبِ، كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ:
وَإِنْ لِحَرْفَيْنِ ذَا الِاعْلَالُ اسْتُحِقْ ... صُحِّحَ أَوَّلٌ وَعَكْسٌ قَدْ يَحِقْ
وَالْآيَةُ تُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ إِطْلَاقَيْنِ، وَتُطْلَقُ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ إِطْلَاقَيْنِ أَيْضًا، أَمَّا إِطْلَاقَاهَا فِي اللُّغَةِ فَالْأَوَّلُ مِنْهُمَا: أَنَّهَا تُطْلَقُ بِمَعْنَى الْعَلَامَةِ، وَهُوَ الْإِطْلَاقُ الْمَشْهُورُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ الْآيَةَ [٢ \ ٢٤٨] ، وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ:
بِآيَةِ مَا قَالَتْ غَدَاةَ لَقِيتُهَا ... بِمِدْفَعِ أَكْنَانٍ أَهَذَا الْمُشَهَّرُ
يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهَا ذَلِكَ هُوَ الْعَلَامَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَسُولِهِ إِلَيْهَا الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ قَبْلَهُ:
أَلِكْنِي إِلَيْهَا بِالسَّلَامِ فَإِنَّهُ ... يُشَهَّرُ إِلْمَامِي بِهَا وَيُنَكَّرُ
وَقَدْ جَاءَ فِي شِعْرِ نَابِغَةِ ذُبْيَانَ وَهُوَ جَاهِلِيٌّ تَفْسِيرُ الْآيَةِ بِالْعَلَامَةِ فِي قَوْلِهِ:
تَوَهَّمْتُ آيَاتٍ لَهَا فَعَرَفْتُهَا ... لِسِتَّةِ أَعْوَامٍ وَذَا الْعَامُ سَابِعُ
ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْآيَاتِ عَلَامَاتُ الدَّارِ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ:
رَمَادٌ كَكُحْلِ الْعَيْنِ لَأْيًا أُبِينُهُ ... وَنُؤْيٌ كَجَذْمِ الْحَوْضِ أَثْلَمُ خَاشِعُ
وَأَمَّا الثَّانِي مِنْهُمَا: فَهُوَ إِطْلَاقُ الْآيَةِ بِمَعْنَى الْجَمَاعَةِ، يَقُولُونَ: جَاءَ الْقَوْمُ بِآيَتِهِمْ، أَيْ بِجَمَاعَتِهِمْ، وَمِنْهُ قَوْلُ بُرْجِ بْنِ مُسْهِرٍ أَوْ غَيْرِهِ:
خَرَجْنَا مِنَ النَّقْبَيْنِ لَا حَيَّ مِثْلَنَا ... بِآيَاتِنَا نُزْجِي اللِّقَاحَ الْمَطَافِلَا
فَقَوْلُهُ: «بِآيَاتِنَا» أَيْ بِجَمَاعَتِنَا.