للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَبَقِيَ نَوْعٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مِنْ أَنْوَاعِ الشَّرِكَةِ يُسَمَّى فِي الِاصْطِلَاحِ بِـ " شَرِكَةِ الْجَبْرِ " وَكَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ يُخَالِفُهُمْ فِي هَذَا النَّوْعِ الَّذِي هُوَ " شَرِكَةُ الْجَبْرِ ".

وَشَرِكَةُ الْجَبْرِ: هِيَ أَنْ يَشْتَرِيَ شَخْصٌ سِلْعَةً بِسُوقِهَا الْمَعْهُودِ لَهَا، لِيَتَّجِرَ بِهَا بِحَضْرَةِ بَعْضِ تُجَّارِ جِنْسِ تِلْكَ السِّلْعَةِ الَّذِينَ يَتَّجِرُونَ فِيهَا، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ أُولَئِكَ التُّجَّارُ الْحَاضِرُونَ، فَإِنَّ لَهُمْ إِنْ أَرَادُوا الِاشْتِرَاكَ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ مَعَ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي أَنْ يُجْبِرُوهُ عَلَى ذَلِكَ، وَيَكُونُونَ شُرَكَاءَهُ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ شَاءَ أَوْ أَبَى.

وَشَرِكَتُهُمْ هَذِهِ مَعَهُ جَبْرًا عَلَيْهِ هِيَ " شَرِكَةُ الْجَبْرِ " الْمَذْكُورَةُ، فَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهَا لِيَقْتَنِيَهَا لَا لِيَتَّجِرَ بِهَا، أَوِ اشْتَرَاهَا لِيُسَافِرَ بِهَا إِلَى مَحِلٍّ آخَرَ وَلَوْ لِلتِّجَارَةِ بِهَا فِيهِ - فَلَا جَبْرَ لَهُمْ عَلَيْهِ، وَأَشَارَ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ إِلَى " شَرِكَةِ الْجَبْرِ " بِقَوْلِهِ: وَأُجْبِرَ عَلَيْهَا إِنِ اشْتَرَى شَيْئًا بِسُوقِهِ لَا لِكُفْرٍ أَوْ قِنْيَةٍ، وَغَيْرُهُ حَاضِرٌ لَمْ يَتَكَلَّمْ مِنْ تُجَّارِهِ، وَهَلْ فِي الزُّقَاقِ لَا كَبَيْتِهِ قَوْلَانِ، وَأَمَّا شَرِكَةُ الْمُضَارَبَةِ فَهِيَ الْقِرَاضُ، وَهُوَ أَنْ يَدْفَعَ شَخْصٌ إِلَى آخَرَ مَالًا لِيَتَّجِرَ بِهِ عَلَى جُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ، وَهَذَا النَّوْعُ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ إِذَا اسْتَوْفَى الشُّرُوطَ كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ دَلِيلُهُ.

وَأَمَّا أَنْوَاعُ الشَّرِكَةِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَهِيَ أَرْبَعَةٌ: ثَلَاثَةٌ مِنْهَا بَاطِلَةٌ فِي مَذْهَبِهِ، وَالرَّابِعُ صَحِيحٌ.

وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ الْبَاطِلَةُ فَالْأَوَّلُ مِنْهَا " شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ " كَشَرِكَةِ الْحَمَّالِينَ، وَسَائِرِ الْمُحْتَرِفِينَ: كَالْخَيَّاطِينَ، وَالنَّجَّارِينَ، وَالدَّلَّالِينَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا كَسْبُهُمَا مُتَسَاوِيًا أَوْ مُتَفَاوِتًا مَعَ اتِّفَاقِ الصَّنْعَةِ أَوِ اخْتِلَافِهَا.

فَاتِّفَاقُ الصَّنْعَةِ كَشَرِكَةِ خَيَّاطَيْنِ، وَاخْتِلَافُهَا كَشَرِكَةِ خَيَّاطٍ وَنَجَّارٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، كُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَلَا تَصِحُّ عِنْدَهُ الشَّرِكَةُ إِلَّا بِالْمَالِ فَقَطْ لَا بِالْعَمَلِ.

وَوَجْهُ بُطْلَانِ شَرِكَةِ الْأَبْدَانِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ هُوَ أَنَّهَا شَرِكَةٌ لَا مَالَ فِيهَا، وَأَنَّ فِيهَا غَرَرًا ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَدْرِي أَيَكْتَسِبُ صَاحِبُهُ شَيْئًا أَمْ لَا، وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزٌ بِبَدَنِهِ وَمَنَافِعِهِ فَيَخْتَصُّ بِفَوَائِدِهِ، كَمَا لَوِ اشْتَرَكَا فِي مَاشِيَتِهِمَا وَهِيَ مُتَمَيِّزَةٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ النَّسْلُ وَالدَّرُّ بَيْنَهُمَا، وَقِيَامًا عَلَى الِاحْتِطَابِ وَالِاصْطِيَادِ، هَكَذَا تَوْجِيهُ الشَّافِعِيَّةِ لِلْمَنْعِ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنَ الشَّرِكَةِ.

وَقَدْ عَلِمْتَ فِيمَا مَرَّ شُرُوطَ جَوَازِ هَذَا النَّوْعِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، إِذْ بِتَوَفُّرِ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>