تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَبَيَّنَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ: أَنَّهُ يُطْلِعُ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ عَلَى مَا شَاءَ مِنْ وَحْيِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ الْآيَةَ [٧٢ \ ٢٦ - ٢٧] ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ [٣ \ ١٧٩] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ.
أَيْ: مَا أَبْصَرَهُ وَمَا أَسْمَعَهُ جَلَّ وَعَلَا، وَمَا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مِنِ اتِّصَافِهِ جَلَّ وَعَلَا بِالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ ذَكَرَهُ أَيْضًا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [٤٢ \ ١١] ، وَقَوْلِهِ: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [٥٨ \ ١] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [٢٢ \ ٧٥] ، وَالْآيَاتُ بِذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ.
ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ لَيْسَ لَهُمْ وَلِيٌّ مِنْ دُونِهِ جَلَّ وَعَلَا، بَلْ هُوَ وَلِيُّهُمْ جَلَّ وَعَلَا، وَهَذَا الْمَعْنَى مَذْكُورٌ فِي آيَاتٍ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [٢ \ ٢٥٧] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [١٠ \ ٦٢] ، فَبَيَّنَ أَنَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ أَوْلِيَاؤُهُ، وَالْوَلِيُّ: هُوَ مَنِ انْعَقَدَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ سَبَبٌ يُوَالِيكَ وَتُوَالِيهِ بِهِ، فَالْإِيمَانُ سَبَبٌ يُوَالِي بِهِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ بِالطَّاعَةِ، وَيُوَالِيهِمْ بِهِ الثَّوَابَ وَالنَّصْرَ وَالْإِعَانَةَ.
وَبَيَّنَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ: أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، كَقَوْلِهِ: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [٥ \ ٥٥] ، وَقَوْلِهِ: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ الْآيَةَ [٩ \ ٦٧١] ، وَبَيَّنَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ: أَنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [٢٣ \ ٦] .
وَبَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ تَعَالَى مَوْلَى الْمُؤْمِنِينَ دُونَ الْكَافِرِينَ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ [٤٧ \ ١١] ، وَهَذِهِ الْوِلَايَةُ الْمُخْتَصَّةُ بِالْمُؤْمِنِينَ هِيَ وِلَايَةُ الثَّوَابِ وَالنَّصْرِ وَالتَّوْفِيقِ وَالْإِعَانَةِ، فَلَا تُنَافِي أَنَّهُ مَوْلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute