للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيَكْثُرُ الْجُمُودُ فِي سِعْرٍ وَفِي ... مُبْدِي تَأَوُّلٍ بِلَا تَكَلُّف

كَبِعْهُ مُدًّا بِكَذَا يَدًا بِيَدْ ... وَكَرَّ زَيْدٌ أَسَدًا أَيْ كَأَسَدْ

فَقَوْلُهُ «وَكَرَّ زَيْدٌ أَسَدًا: أَيْ: كَأَسَدٍ» مِثَالٌ لِمُبْدِي التَّأَوُّلِ ; لِأَنَّهُ فِي تَأْوِيلِ كَرَّ فِي حَالِ كَوْنِهِ مُشَابِهًا لِلْأَسَدِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَاعْلَمْ أَنَّ حَذْفَ الْقَوْلِ وَإِثْبَاتَ مَقُولِهِ مُطَّرِدٌ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَكَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا، لَكِنْ عَكْسُهُ وَهُوَ إِثْبَاتُ الْقَوْلِ وَحَذْفُ مِقْوَلِهِ قَلِيلٌ جِدًّا، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

لَنَحْنُ الْأُلَى قُلْتُمْ فَأَنَّى مُلِئْتُمْ ... بِرُؤْيَتِنَا قَبْلَ اهْتِمَامٍ بِكُمْ رُعْبًا

لِأَنَّ الْمُرَادَ لَنَحْنُ الْأُلَى قُلْتُمْ نُقَاتِلُهُمْ، فَحَذَفَ جُمْلَةَ نُقَاتِلُهُمُ الَّتِي هِيَ مَقُولُ الْقَوْلِ، وَقَوْلُهُ: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا، عَبَّرَ فِيهِ بِالْمَاضِي وَأَرَادَ الْمُسْتَقْبَلَ ; لِأَنَّ تَحْقِيقَ وُقُوعِ ذَلِكَ يُنْزِلُهُ مَنْزِلَةَ الْوَاقِعِ بِالْفِعْلِ، وَالتَّعْبِيرُ بِصِيغَةِ الْمَاضِي عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ لِمَا ذَكَرْنَا كَثِيرٌ جِدًّا فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ هُنَا: وَحَشَرْنَاهُمْ [١٨ \ ٤٧] ، وَقَوْلُهُ: وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ [١٨ \ ٤٨] ، وَقَوْلُهُ: لَقَدْ جِئْتُمُونَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ، وَقَوْلُهُ: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ [١٨ \ ٩٩] ، وَقَوْلُهُ: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا [٣٩ \ ٧١] ، وَقَوْلُهُ: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ [٣٩ \ ٧٣] ، وَنَحْوُ ذَلِكَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ لِمَا ذَكَرْنَا.

قَوْلُهُ تَعَالَى: بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا.

ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الْكُفَّارَ زَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ مَوْعِدًا، وَالْمَوْعِدُ يَشْمَلُ زَمَانَ الْوَعْدِ وَمَكَانَهُ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ وَقْتًا وَلَا مَكَانًا لِإِنْجَازِ مَا وَعَدَهُمْ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ مِنَ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ وَالْحِسَابِ. وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ إِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا الْآيَةَ [٦٤ \ ٧] ، وَقَوْلِهِ عَنْهُمْ: وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ [٦ \ ٢٩] ، وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ [٤٤ \ ٣٥] ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى كَذِبَهُمْ فِي إِنْكَارِهِمْ لِلْبَعْثِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ: بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا [١٨ \ ٥٨] ، وَقَوْلِهِ: قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ الْآيَةَ [٦٤ \ ٧] ، وَقَوْلِهِ: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا [١٦ \ ٣٨] ، وَقَوْلِهِ: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ [٢١ \ ١٠٤] ، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا.

وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>