وَالْبَاطِلُ: ضِدُّ الْحَقِّ وَكُلُّ شَيْءٍ زَائِلٌ مُضْمَحِلٌّ تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ: بَاطِلًا، وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلُ ... وَكُلُّ نَعِيمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ
وَيُجْمَعُ الْبَاطِلُ كَثِيرًا عَلَى أَبَاطِيلَ عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ، فَيَدْخُلُ فِي قَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ فِي الْخُلَاصَةِ:
وَحَائِدٌ عَنِ الْقِيَاسِ كُلُّ مَا خَالَفَ ... فِي الْبَابَيْنِ حُكْمًا رَسْمَا
وَمِنْهُ قَوْلُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
كَانَتْ مَوَاعِيدُ عُرْقُوبٍ لَهَا مَثَلًا ... وَمَا مَوَاعِيدُهُ إِلَّا الْأَبَاطِيلُ
وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى الْبَوَاطِلِ قِيَاسًا، وَالْحَقُّ: ضِدُّ الْبَاطِلِ، وَكُلُّ شَيْءٍ ثَابِتٌ غَيْرُ زَائِلٍ وَلَا مُضْمَحِلٍّ تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ حَقًّا، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ [١٨ \ ٥٦] ، أَيْ: لِيُبْطِلُوهُ وَيُزِيلُوهُ بِهِ وَأَصْلُهُ مِنْ إِدْحَاضِ الْقَدَمِ، وَهُوَ إِزْلَاقُهَا وَإِزَالَتُهَا عَنْ مَوْضِعِهَا، تَقُولُ الْعَرَبُ، دَحَضَتْ رِجْلُهُ: إِذَا زَلِقَتْ، وَأَدْحَضَهَا اللَّهُ أَزْلَقَهَا، وَدَحَضَتْ حُجَّتُهُ إِذَا بَطَلَتْ، وَأَدْحَضَهَا اللَّهُ أَبْطَلَهَا، وَالْمَكَانُ الدَّحْضُ: هُوَ الَّذِي تَزِلُّ فِيهِ الْأَقْدَامُ؟ وَمِنْهُ قَوْلُ طَرَفَةَ:
أَبَا مُنْذِرٍ رُمْتَ الْوَفَاءَ فَهِبْتَهُ ... وَحِدْتَ كَمَا حَادَ الْبَعِيرُ عَنِ الدَّحْضِ
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ مُجَادَلَةِ الْكُفَّارِ لِلْمُرْسَلِ بِالْبَاطِلِ أُوَضَحَهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ: كَقَوْلِهِ: وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ [٤٢ \ ١٦] ، وَقَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [٩ \ ٣٢] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [٦١ \ ٨] ، وَإِرَادَتُهُمْ إِطْفَاءَ نُورِ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ، إِنَّمَا هِيَ بِخِصَامِهِمْ وَجِدَالِهِمْ بِالْبَاطِلِ.
وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ، أَنَّ مَا أَرَادَهُ الْكُفَّارُ مِنْ إِدْحَاضِ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ لَا يَكُونُ، وَأَنَّهُمْ لَا يَصِلُونَ إِلَى مَا أَرَادُوا، بَلِ الَّذِي سَيَكُونُ هُوَ عَكْسُ مَا أَرَادُوهُ فَيُحِقُّ [الْحَقَّ] وَيُبْطِلُ الْبَاطِلَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [٦١ \ ٩] ، وَكَقَوْلِهِ: وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [٩ \ ٣٣] ، وَقَوْلِهِ: وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [٩ \ ٣٢] ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute