للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَالْأَصْلُ خِلَافُهَا ; لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ بَنِي آدَمَ يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِاتِّفَاقِهِمْ فِي الصِّفَاتِ النَّفْسِيَّةِ، وَمُشَابِهَتِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ.

الثَّانِيَةُ: أَنَّا لَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ لَا يَرَاهُ بَنُو آدَمَ، فَاللَّهُ الَّذِي أَعْلَمَ النَّبِيَّ بِالْغَيْبِ الَّذِي هُوَ «هَلَاكُ كُلِّ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ فِي تِلْكَ الْمِائَةِ» عَالِمٌ بِالْخَضِرِ، وَبِأَنَّهُ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ، وَلَوْ سَلَّمْنَا جَدَلِيًّا أَنَّ الْخَضِرَ فَرْدٌ نَادِرٌ لَا تَرَاهُ الْعُيُونُ، وَأَنَّ مِثْلَهُ لَمْ يُقْصَدْ بِالشُّمُولِيِّ فِي الْعُمُومِ فَأَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ شُمُولُ الْعَامِّ وَالْمُطْلَقِ لِلْفَرْدِ النَّادِرِ وَالْفَرْدِ غَيْرِ الْمَقْصُودِ، خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْفَرْدَ النَّادِرَ وَغَيْرَ الْمَقْصُودِ لَا يَشْمَلُهُمَا الْعَامُّ وَلَا الْمُطْلَقُ.

قَالَ صَاحِبُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ فِي «مَبْحَثِ الْعَامِّ» مَا نَصُّهُ: وَالصَّحِيحُ دُخُولُ النَّادِرَةِ وَغَيْرِ الْمَقْصُودَةِ تَحْتَهُ، فَقَوْلُهُ: «النَّادِرَةُ وَغَيْرُ الْمَقْصُودَةِ» ، يَعْنِي الصُّورَةَ النَّادِرَةَ وَغَيْرَ الْمَقْصُودَةِ، وَقَوْلُهُ: «تَحْتَهُ» يَعْنِي الْعَامَّ، وَالْحَقُّ أَنَّ الصُّورَةَ النَّادِرَةَ، وَغَيْرَ الْمَقْصُودَةِ صُورَتَانِ وَاحِدَةٌ، وَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ عَلَى التَّحْقِيقِ ; لِأَنَّ الصُّورَةَ النَّادِرَةَ قَدْ تَكُونُ مَقْصُودَةً وَغَيْرَ مَقْصُودَةٍ، وَالصُّورَةُ غَيْرُ الْمَقْصُودَةِ قَدْ تَكُونُ نَادِرَةً وَغَيْرَ نَادِرَةٍ، وَمِنَ الْفُرُوعِ الَّتِي تُبْنَى عَلَى دُخُولِ الصُّورَةِ النَّادِرَةِ فِي الْعَامِّ وَالْمُطْلَقِ وَعَدَمِ دُخُولِهَا فِيهِمَا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِ دَفْعِ السَّبَقِ - بِفَتْحَتَيْنِ - فِي الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْفِيلِ، وَإِيضَاحُهُ أَنَّهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا سَبَقَ إِلَّا فِي خُفٍّ أَوْ نَصْلٍ أَوْ حَافِرٍ» وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ابْنُ مَاجَهْ «أَوْ نَصْلٍ» وَالْفِيلُ ذُو خُفٍّ، وَهُوَ صُورَةٌ نَادِرَةٌ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِدُخُولِ الصُّورَةِ النَّادِرَةِ فِي الْعَامِّ يَجُوزُ دَفْعُ السَّبَقِ - بِفَتْحَتَيْنِ - فِي الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْفِيَلَةِ، وَالسَّبَقُ الْمَذْكُورُ هُوَ الْمَالُ الْمَجْعُولُ لِلسَّابِقِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ جَعَلَهُ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ مِثَالًا لِدُخُولِ الصُّورَةِ النَّادِرَةِ فِي الْمُطْلَقِ لَا الْعَامِّ، قَالَ: لِأَنَّ قَوْلَهُ: «إِلَّا فِي خُفٍّ» نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ ; لِأَنَّ مَا بَعْدَ «إِلَّا» مُثْبَتٌ، وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ إِطْلَاقٌ لَا عُمُومٌ، وَجَعَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْأُصُولِ مِثَالًا لِدُخُولِ الصُّورَةِ النَّادِرَةِ فِي الْعَامِّ.

قَالَ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا: وَجْهُ عُمُومِهِ مَعَ أَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ أَنَّهُ فِي حَيِّزِ الشَّرْطِ مَعْنًى، إِذِ التَّقْدِيرُ: إِلَّا إِذَا كَانَ فِي خُفٍّ، وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ تَعُمُّ، وَضَابِطُ الصُّورَةِ النَّادِرَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ هِيَ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْفَرْدُ لَا يَخْطُرُ غَالِبًا بِبَالِ الْمُتَكَلِّمِ لِنُدْرَةِ وُقُوعِهِ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الصُّورَةِ النَّادِرَةِ: هَلْ تَدْخُلُ فِي الْعَامِّ وَالْمُطْلَقِ أَوْ لَا؟ ! اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْ خُرُوجِ الْمَنِيِّ الْخَارِجِ بِغَيْرِ لَذَّةٍ، كَمَنْ تَلْدَغُهُ عَقْرَبٌ فِي ذَكَرِهِ فَيَنْزِلُ مِنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>